يوميات شهر اذار، شهر مار يوسف البتول

أيقونة القدّيس يوسف البتول

 

+ باسم الآب والإبن والروح القدس ألإله الواحد، آمين.

 

اليوم الأوّل

القديس يوسف البتول قدوة الكهنة

لا نخال أحدًا من المسيحيّين يجهل الشرف السّامي الذي أحرزه القديس يوسف البتول بمحافظته على حياة السيّد المسيح، والمنزلة الرفيعة التي نالها بتبنّيه ربّ الكون وخالقه، فهو مجد المؤمنين عمومًا في كل الأزمنة، ومجد الكهنة بنوع خاص. والبرهان القاطع على صحّة هذا الكلام، هو معرفة الوظيفة التي كان يتعاطاها في العالم، وهي: حمل ذلك الحمل الوديع الذي كان مستعدًا لأن يضحّي بحياته على مذبح الصليب، والمحافظة على حياته الثمينة حبًا لخير البشر. فيمكننا والحالة هذه ان نحسب انه قد تشرّف بذاك الكهنوت الملوكي الذي يمتاز به الشعب المسيحي بالعهد الجديد. ولئن كانت مريم العذراء قد صارت مخدعًا طاهرًا ليسوع، وصارت يداها الطاهرتان مهدًا لذلك الطفل العجيب، فإن القديس يوسف البتول كان الوكيل الغيّور والحارس الأمين النشيط لهذا المخدع المقدس، فقد سهر عليه ليلًا ونهارًا، محافظًا عليه وعلى شرفه، وحمل على ذراعيه، ألوفًا من المرّات ربّه المتأنِّس. ولئن كان قد وُجد هيكل لمأوى العائلة المقدسة، فيوسف البتول كان رئيس هذا الهيكل والساهر على حراسته. لئن كان قد وجد مذبح، فلم يكن أحد أقرب اليه من القديس يوسف البتول ولا اكثر منه غيره على زينته، ولم يسهر أحد أمامه مصلّيًا من قبل. وعليه فالقديس يوسف البتول هو قدوة الكهنة، ومنه يجب ان يتعلّموا الاحترام والاعتبار والأمانة في خدمة الاسرار وتوزيعها على المؤمنين.
فيا كهنة الاله الحي، الذين تتعاملون معه يوميًا بكلّ دالّة، كما كان يتعامل القديس يوسف البتول، وتحملون السيد على أيديكم، كما كان يحمله هو، إقتدوا به وسيروا في خطاه، كونوا نظيره انقياء، غيّورين، حارّين في العبادة، تطلّعوا في مرآة الكهنوت، النقيّة الصافية، تروا الفضائل التي يجب ان تتحلّوا بها، أمام القاضي الأعلى في ذلك اليوم الرهيب، وحافظوا بكلّ قواكم على نقاء حلّة الكهنوت المتّشحين بها.
أيّها القديس يوسف البتول العظيم، أطلب للكهنة قداسة السيرة، ونقاوة الأفكار، ومن إبنك وربك يسوع.

خبر

قد اشتهر يوحنا دي لا سال مؤسس رهبنة الإخوة المسيحين، بتعبده للقديس يوسف البتول منذ نعومة اظافره. ولما أسّس هذه الرهبنة، وضعها تحت حماية هذا القديس، ليتعلّم الاخوة تربية الشبّان من معلّم سيدنا يسوع المسيح، وعندما كان المرض يُنهك جسمه، كانت نفسه تنمو وتزهو بالقداسة، راضيًا بإختيار الله فضيلته، ليزيد بذلك أجره ولفظ أخيرًا هذه العبارة الدالّة على عِظَم ثقته بالقديس يوسف البتول : ( اني لواثقٌ أنّ القديس يوسف البتول سينقذني عاجلًا من عبوديّة مصر ويُدخلني أرض الميعاد)، ولمّا دنا عيد القديس، سأل رهبانه أن يقدّموا الذبيحة في ذلك النهار، إكرامًا له آسفًا أشدّ الأسف لِعدم مقدرته من إقامة الذبيحة الالهية ذلك النهار، فليلة العيد، شعر بأنّ المرض خفّت وطأته، وقواه تشدّدت، انّما ظنّ هو والحاضرون أنّ ذلك وهمٌ منه، لشدّة رغبته في أن يقدّس في ثاني يوم عيد مار يوسف البتول، وصباح العيد، وتأكّد أنّ ذلك لم يكن وهمًا بل حقيقة، إذ قام وذهب يقدّس وهو ممتلئ صحّةً ونشاطًا، فتحقّق لدى الجميع أنّ شفيعه القديس يوسف البتول أعطاه شهوة قلبه ليقدّس قدّاسه الأخير يوم عيده. والغريب بعد نهاية القدّاس راجعه المرض، وبعد أيّام قليلة فارق الحياة برائحة القداسة وان البابا لاون الثالث عشر أحصاه بين عداد القدّيسين.

إكرام

قدّم القدّاس في مثل هذا اليوم إكرامًا للقديس يوسف البتول

نافذة

يا مار يوسف البتول مثال الكهنة، تضرّع لأجلنا.

 

اليوم الثاني

القديس يوسف البتول قدوة الحكام

إنّ كلّ سلطة هي من الله، ولا تكون السلطة أصليّة صالحة في احكامها، عادلة في اجراءاتها، ما لم يكن الله مصدرها، وجارية حسب إرادته القدوسة، و مستعملة في سبيل مجده، ولا يخفى أن الحكام المسيحيّين قد استوحوا شرائعهم من الكتب المقدسة، واتّخذوا اساسها عن الكنيسة، وتمشوا بموجبها في جميع إجراءاتهم، وأصبح الخضوع لهذه الشرائع واجبًا، لأنها مبنيّة على كلمة الله، وقد أعطتنا الكنيسة نموذجًا للقدوة في شخص القديس يوسف البتول، فهذا القديس الشريف اختاره الله وأرسله إلى العالم، كي يستعمل سلطة لم ينلها أحد سواه، هي التسلّط على ابن الله القدوس المتأنِّس، وهي سلطة تسمو على سلطة الملوك والسلاطين، اذ قد تسلّط على الاله بالذات فكان يأمر والله يخضع لأمره، وأقلّ كلمة كان يتلفّظ بها هذا النجّار الوضيع كانت بمثابة امر سام يمتثله، بسرعة زائدة، الاقنوم الثاني من سرّ الثالوث الأقدس فمن من الملوك والحكام يفتخر بأنه احرز سلطة مثل هذه السلطة وكان لديه مأمورون مثل الذي كان لدى القديس يوسف البتول؟ أجل، لقد احرز القديس يوسف البتول سلطة تامّة، بيد أنّه لم يستعملها حسب هواه و مآربه، ولا بموجب إرشادات عقله، وان يكن خاضعًا لروحه، بل قد استعملها حسب مشيئة الآب الازلي الذي اختاره لهذه الوظيفة، لذلك اضحت سلطته هذه قدوة و مثالاً لكل ذوي السلطات، فقد كان يأمر بكل إنعام ونظر وتروّ، لأنه كان يعلم أنّه يأمر من كان يجب ان يتفانى في خدمته ويكون أوّل الملبّين لأوامره. هكذا يجب أن يكون الحاكم المسيحي عارفًا أنّه عبد الله، وأسير لوصاياه المقدسة ومكلّف بإقامة مجد القدوس بين خلائقه وإنّه إن لم يعمل هكذا يكون ظالمًا، جائرًا، مغتصبًا السلطة اغتصابًا. ولا تكون شرائع الحاكم حقةً إن لم تكن مصدرها سلطة الله العليا وعليه، فالحكام في أيّامنا عديدون، ولكن الذين يستمدّون سلطتهم وحكمتهم من الله ويستخدمون قوى عقولهم وأجسادهم في سبيل مجده، كالقديس يوسف البتول، هم قليلون. فاطلب، ايها القديس، من الله ان يُرسل حُكّامًا صالحين يسوسون الشعب حسب رغبة قلبه، إذ بدون أمثال هؤلاء الحكام يسود في العالم التشويش والقلق والاضطراب!

خبر

جاء في تاريخ الرسالات الكاثوليكية (المجلّد الرابع وجه 54) أنّ المُرسلين قالوا: قضت الحاجة سنه 1880 أن نشيّد محلًا لرسالتنا بين موميا وبغمويد، في أفريقيا الشرقية، فذهب اثنان من نهار عيد مار يوسف البتول، دون أن يعرفا أين يذهبان، ولا أين يشيّدان هذه الرسالة الجديدة، ولكنّهما وضعا خطوتهما الاولى تحت رعاية القديس يوسف البتول، قاصدين أنهما لا يزالان مسافرين إلى أن يوحي إليهما بالمحلّ المقصود. فوصلا الى بلاد ندوي التي لم يدخلها اوروبي قط، وكنّا نسمع عنهم أنّهم يلتذّون بأكل البشر، لكنّهما لم يُصابا بشرّ، وهرجا يسألان القديس يوسف البتول أن يهديهما الى المحلّ الموافق لعمل الخير مع أولئك البرابرة، إلى أن وصلا نهار أربعاء الآلام إلى بيت أحد زعماء هؤلاء، وما إن وقع نظره عليهما، حتى ظهرت عليه علامات الدّهشة وصرخ قائلاً : (هؤلاء هم بذاتهم) وبعد أن تفرّس فيهما زمانًا، استدعى قومه وقال لهم : (هؤلاء هم الذين أخبرتكم عنهم في الصباح) ، وقال لهما :( الليلة الماضية بينما أنا مستغرقٌ في نومي، إذا بشيخٍ جليل يحرّكني بكتفي قائلًا :(غدًا يصل اليك رجلان من البيض، فاستقبلهما حسنًا، وأعطهما ما يطلبان)، ثم سألهما الزعيم (إنّ بيتي وأرضي وشعبي تحت أمركما، إفعلا ما تريدان) ووضع تحت أمرهما عددًا من الرجال، وأعطاهما ما يحتاجان إليه من معدّات للشّغل ومؤن، وابتدآ عملهما شاكرين عناية القديس يوسف البتول فيهما.

إكرام

ضع كلّ مرؤوسيك تحت حماية القديس يوسف البتول.

نافذة

يا مار يوسف البتول، مثال الحكّام، صلّ لأجلنا.

 

اليوم الثالث

القديس يوسف البتول قدوة المتزوّجين

لقد انتخب الله سبحانه يوسف البتول البار، ليكون عروسًا لمريم البتول، فتمّ عقد الخطبة بينهما حقيقةً، وارتبط قلبا البتولين به، رغم نذرهما العفّة وتكريس قلبيهما إلى الله. وقد شاء الله أن يُعطي مثالًا صالحًا للمتزوّجين الذي يدنّسون في بعض الأحيان سرّ الزواج المقدّس، سواء كان بارتباط غير شرعي، ام بإستعمالهم عادات مستهجنة تنافي طبيعة هذا السر والغاية الرئيسيّة من رسمه. فانظر أيّها المسيحي، إلى تينك الحمامتين النقيّتين اللتين تجلّى فيهما بهاء البتوليّة الملائكيّة تحت طيّ المعيشة العمومية، الإعتيادية، فيا لعظمة مريم وبالوداعة يوسف البتول، لقد ختم الرّب ختم الرّب على قرانكما، فتلألأ النور الالهي على كلّ حركة من حركاتكما، وشاءت السماء ان تمنحنا بكما مثالًا يُقتدى به، ليعرف البشر كيف تكون المحبّة المسيحيّة الحقيقة بين المتزوّجين، التي لا يرذلها الدين بل يعظّمها ويشرّفها. فيا للفرق العظيم بين عيشة يوسف البتول ومريم وعيشة كثيرين من المتزوّجين، الذين لا غاية لهم من قبولهم الزواج المقدّس سوى الإستسلام الى شهواتهم الجسدية، او نيلهم أرباحًا دنيوية، او غير ذلك من العادات الفاسدة، التي كثيرًا ما تؤدّي إلى الذلّ ووخز الضمير! فإنّ هذه عاقبة من أساء التصرّف بزواجه، ونبذ عنه الغاية التي لأجلها فُرِض الزواج، إذ من الثمرة تُعرف الشجرة، ولا ريب أنّ السلام يفارق منازل ذوي المحبّة الفاسدة، ويسود مكانه القلق والإضطراب، وينجم عن ذلك طبعًا حدوث ما لا تُحمد مغبّته، وذلك لأنهم أفسدوا الغاية المقدّسة التي لأجلها ترتّب هذا السر. فبِئس هذا الزواج المؤسّس على روح العالم، والخالي من روح الله! وتعسًا لذريّة منحدرة من والدين تزوّجوا زواجًا مغايرًا لإرادة الخالق ومشيئته القدّوسة، لأنّها تكون مدعاة لخراب المجتمع الانساني في مستقبل الايام. ومتى فارقت روح العليّ بلادًا، ولم تُرفرف على هامة سكّانها، يؤثرون إذ ذاك المساكنات الرديئة على الزواج المقدس، فتتزايد الرغبة في سنّ شريعة الطلاق، مدمّرة البيوت وهادمة أسس الراحة العائلية. فيا ايّها القديس المعظم يوسف البتول خطّيب مريم العذراء، وقدوة من حمل أعباء الزواج، إسأل الله ان يُقدّس هذه الشريعة بين المتزوّجين، ليسيروا بموجب متطلّباتها بكلّ دقّة، تمجيدًا لله، وسعيًا لخير المجتمع، وتأمينًا لخلاصهم الابدي.

خبر

قضت إحدى النساء حياة طويلة في سيرة مشكّكة، أخيرًا لبّت صوت ضميرها فرجعت إلى الله بتوبة نصوح، وكانت تعيش مع بناتها الصغيرات من شغل يدها، واذ رأت ذاتها منهوكةً من التّعب ووقعت تحت ديون، وأخذ المضايقون يضايقونها، سخّر الشيطان أحد الأشقياء ليُغريها بوعوده ويرجعها الى عيشتها السابقة، فحارت تلك المسكينة بأمرها ولم تعد تعرف ماذا تفعل: فمن جهة لا تريد أن تخسر نفسها، ومن جهة أخرى يضايقها المضايقون، فأجابت ذلك الشقي تعال بعد الظهر فأعطيك الجواب) ثم أجهشت بالبكاء وابتدأت تلطُم وجهها قائلةً (يا عروس مريم الطاهرة خلّصني) وإذ بإبنتها الصغيرة تقول لها (لماذا تبكين يا اماه؟ أتذكرين انّ عرّابي رجل غنيّ وكريم، وقذ أهداني على رأس السنة هذه اللعبة؟ واطلبي منه حاجتك، على شرط إذا اعطاك إشتري لي صورة مار يوسف البتول) فقامت المرأة لساعتها قبل ان يفوت الوقت، وعرضت أمرها على ذلك الرجل فقام من فوره ونقدها ألفي فرانك، وقال لها (هذا ليس دينًا بل هو احسان)، ففرحت وأيّ فرح وفي رجوعها اشترت صورة مار يوسف البتول، وقدّمتها لابنتها شاكرةً لها فكرتها، فقالت لها الابنة (انظري يا أمّاه ما هذه الكتابة على الصورة؟) فنظرت وإذ بها تقرأ (يا ابنتي لا تنسي مقاصدك الصالحة).

إكرام

إقصد أن تتجنّب أسباب الخطيئة إكرامًا للقديس يوسف البتول.

نافذة

يا مار يوسف البتول محامي التّائبين، صلّ لأجلنا.

 

اليوم الرابع

القديس يوسف البتول قدوة البتولين

إذا كان لسرّ الزواج المقدس المعقود حسب سُنّة الله وشريعته المقدسة أعداء كثيرون يقاومونه ويناقضون مبادئه الطاهرة، فللبتوليّة الأكثر كمالًا أعداء أوفر ولست أقصد هنا بالبتولين من لم يرتبطوا بعد بعقد زواج، وهم يعيشون حسب أهواء العالم وشهوات الطبيعة، بل أولئك الذين كرّسوا ذواتهم بنذر لخدمة الله بطريقة أكثر كمالًا. 
لقد أبعد الشيطان والعالم والجسد كثيرين عن التقيّد بسرّ الزواج، وهم يبذلون أيضًا غاية جهدهم لإقصاء كثيرين عن التبتّل حسب مشورة الانجيل، فاستعملوا لذلك وسائل عديدة، فقد بذروا محبّة الحرّية الفاسدة، والأحاديث الباطلة ؛ وقراءة الروايات الخلاعية، في قلوب الشبان، فأمسى هؤلاء من جراء ذلك يحسبون حفظ البتولية من أصعب الصعاب، بل من الامور المستحيلة على الطبيعة البشرية. 
لذلك، شاء الله الإبن أن يُظهر للعيان شرف البتوليّة وسموّها بعد ان كانت غامضة، حتى عند الشعب المختار، وذلك بشخص أبيه بالتبنّي، أعني القديس يوسف البتول، وقد ظهرت هذه الفضيلة ساطعة البهاء من وراء حجاب إقترانه بمريم العذراء، فكان بذلك مثالًا لعدد كبير من الشبّان والشابّات، الذين كفروا بالعالم وكرّسوا ذواتهم لخدمة الله بأفضل طريقة، وكان بيت الناصرة اصل هذه الدعوة الشريفة، و أوّل بيت حُفظت به البتولية، ومنه تشعّبت بقيّة الأديرة، حيث يأوي اليها كثير من الشبّان والأرامل تفرّغًا للكمال المسيحي، نائين عن مكايد الشيطان والعالم والجسد وبعيدين عن أحابيل الشر والفساد.
فوجّهوا إذا أنظاركم أيّها المسيحيّون إلى مثال الكمال أي القديس يوسف البتول. أما انتم يا من عاهدتم ربّكم بحفظ البكارة بموجب نذر مقدّس فتعلمون كم يلزمكم من شديد المحافظة على الآداب، لِئلّا يُعطب بلّور طهارتكم السريع العطب، وكم يجب عليكم ان تصونوا فيكم الإناء الخزفي الحاوي دُررًا غوالٍ، وجّهوا أنظاركم إلى ذلك المثال القويم تتشدّد عزائمكم، وتتقوّم خطواتكم، وتفوزوا في جهادكم، ويجعل ذلك القديس مصباح بتوليّتكم دائم النور، وإكليل نقاوتكم الذي ستكلّلون به في الفردوس ناظرًا زاهيًا لا يذبل، فيا ايها القديس يوسف البتول الكلّي الطّهر تضرّع لدى الله الذي لأجل الذين كرّسوا ذواتهم لخدمته تعالى، صيانة البتولية واجعلهم يقتنون بقداستك وطهارتك، فائدةً لنفوسهم.

خبر

إن حنّة لوراك إبنة أحد المحامين في مالينا، شقيق قدّيس الرهبنة اليسوعيّة يوحنا بركمنس، كانت ذات عبادة حارّة نحو القديس يوسف البتول، لا بل ناشرة راية العبادة له، وقد استحقّت نِعمًا جزيلة بشفاعته. فهذه كانت مزدانة بمواهب طبيعيّة، فائقة، وكانت نفس خادم البيت تحدثه بالسوء، فاختبأ في محل ذات ليلة اتمامًا لرغبته القبيحة، وصادف ان العائلة ذهبت إلى إتمام فروضها الدينيّة، صباح أحد الأعياد، وتركوا حنّة لحراسة البيت، وما كادوا يخرجون من الباب حتى وثب عليها ذلك الذئب الخاطف وزاودها على عفافتها، فصرخت البتول بأعلى صوتها، (يا مار يوسف البتول خلّصني، يا بتولًا نقيًا ساعدني) وللحال حلّ بذلك التّاعس الشلل التام، وجمدت رجلاه في الارض لا تستطيع الحراك، وصاح قائلاً (ماذا تريدين ان تفعلي بي؟) فحنّة عندما استفاقت لذاتها، وعرفت أنّها تحت حماية القديس يوسف البتول، افتكرت أولًا في اكتساب تلك النفس لله وأن لا تُعلم أباها بما جرى، وعزمت أن تدخل الرهبنة محافظةً على نقاوة قلبها، فشكرًا لله وللقديس يوسف البتول الذي أولاها الظفر في المعركة الهائلة.

إكرام

ضع فضيلتك في حمى القديس يوسف البتول.

نافذة

يا مار يوسف البتول، محامي الطهارة، صل لأجلنا.

 

اليوم الخامس

القديس يوسف البتول مثال الآباء

إنه لأمر خطير جدًا أن يدعو الله رجلًا ليكون أبًا لأعضاء عائلة، دُعُوا إلى الخدمة في هذا العالم، والى السعادة في العالم الآخر، وإن وظيفة الأبوة السامية الجديرة بالاحترام، تخسر شرفها وسموّها إن لم تكن وِفقًا لإرادة الله وحسب مشيئته القدّوسة، ومثال الابوة السامي لمن يرغبون في أن يكونوا آباء حقيقيين، هو القديس يوسف البتول، فإنّه وإن لم يكن أبًا طبيعيًا ليسوع المسيح المولود من مريم العذراء بقوّة الروح القدس، فقد كان له ملء السلطة الأبويّة عليه، مع مريم العذراء، ويسوع المسيح لم يُنكر عليه هذا الحق بل قد دعاه به مِرارًا عديدة، وبهذا الإسم عرفه الجمهور، فكانوا يدعونه إبن النجار، وبهذه الصّفة كان يوسف البتول يأمر يسوع، ويسوع يُلبّي الأوامر سريعًا، كان القديس يوسف البتول يكسب ليسوع الخبز اليومي بعرق جبينه، ويسوع كان يساعده في أشغاله، في صناعة النجارة، فلو كان الآباء يسيرون حسب مثال يوسف البتول وينهجون نهجه لكانوا جميعًا سعداء في الدارين. 
أمّا الآب الذي يترك ولده وشأنه، غير مكترث لأمر تثقيفه وخلاصه، ويدعه يعاشر من يشاء، يخرج من البيت ويعود إليه متى أراد فهو يجني على ولده وعلى نفسه، إنّ الطفل هو تلك الوديعة الثمينة التي أودعه الباري إيّاها ليعتني بها، وأيّ وديعة يا ترى أثمن من وديعة الطفل؟ إنّها تحتاج إلى سهر وإلى عناية وإلى بذل متواصل إلى أن يبلغ الطفل نُضجه الانساني والروحي. 
وإنّنا نأسف أسفًا كبيرًا لوجود عدد كبير من الوالدين، في أيّامنا يتمشّون مع أولادهم على خطّ مُنحرف، فلا يُبدون أدنى إهتمام بفلذات أكبادهم خاسرين بذلك شرف الوظيفة التي انتخبهم الله إليها، ليفهموا انهم آباء وإنّ من واجباتهم ليس فقط الإهتمام بحاجيّات أبنائهم الزمنيّة، وتأمين مستقبلهم، بل عليهم من باب الأولويّة أن يعتنوا بأمر خلاصهم الأبدي، ويكونوا قدوة صالحة لهم بحسن آدابهم وأعمالهم. 
فيا ايها القديس، أبتهل إلى ابنك يسوع بشأن الوالدين والأولاد الذين يستاقهم العدو في طريق الهلاك، واطلب لهم القوة كي يتنسى لهم النجاة.

خبر

أخبر الأب يوحنا دالوزا، في كتابه عن (محبّة القديس يوسف البتول)، إنّ أحد الفرسان كان صادق العبادة لهذا القديس الجليل، وكان يحتفل بعيده كلّ سنة على ما عظم من الورع، وكان لهذا الفارس ثلاثة صِبيان، فحدث أن مات أحدهم يوم عيد القديس يوسف البتول، ثم مات الثاني في السنة التالية يوم العيد نفسه، فحزن هذا الرجل جدًا وهرب من بيته إلى البريّة، وهو في قلبه يلوم القديس يوسف البتول على هذا التصرّف معه، وكان يخشى أن يلحق الثالث أخويه في السنة المقبلة، وفيما هو سائر في القفر، رأى شجرة معلّقًا بها شابّان مشنوقان فتفرّس بهما فعرف فيهما هيئة ولديه، وفيما هو متحيّر ظهر له ملاك الرّب، وقال له ( لو عاش إبناك إلى هذا السن لماتا مشنوقين، وكانا عارًا لبيتك وهلكا الى الأبد فبشفاعة القديس يوسف البتول خطفهما الله قبل الأوان لِئلّا يُغيّر الشرّ عقلهما، فواظب على عبادة القديس يوسف البتول وعلى التّعييد له، وكن متيقّنًا أنّ كُلّ ما يأتيك من الله بشفاعته يعود لخيرك وخير عائلتك).

إكرام

إعتمد كلّ الإعتماد على حماية القديس يوسف البتول.

نافذة

يا مار يوسف البتول، مثال الآباء وحارس البنين، صلّ لأجلنا.

 

اليوم السادس

تأمّل في القديس يوسف البتول بن داود

الله وحده هو العظيم. وما من عظمة حقيقيّة على الارض إلّا تلك التي مصدرها منه. ولم ينل يوسف البتول ومريم العذراء هذا الشرف الوسيم من أجدادهما فقط بل نالاه من سموّ علاقتهما بالله. فيسوع هو الذي
رفع منزلتهما فوق كلّ ريعة بصيرورته إبنًا لهما. فماذا يهمّنا معرفة أجدادهما والتنقيب على سلالتهما المجيدة في سابق الأجيال؟
إنّ الإنجيل المقدّس أشار بوجيز الكلام إلى منزلتهما السامية بقوله : يوسف البتول رجل مريم التي منها وُلد يسوع المدعو المسيح، ثمّ يُضيف بأنّ كِليهما كانا من ذرّية داود الملك. ويسوع نفسه رضي بأن يُدعى إبن داود وبهذه الكُنية أيضًا خاطب الملاك في الحلم القديس يوسف البتول عندما هدأ قلقه وأطلعه على سرّ التّجسّد الذي تمّ في حشا خطيبته البتول. لا بُدّ لهذه التّسمية من مغزى يرغب عبيد القديس يوسف البتول في أن يعرفوه. لقد سبق الانبياء وتنبّأوا عن ولادة مخلّص العالم من سِبط يهوذا ومن سلالة داود الملك. فلكيلا تبقى هذه النبوّة في طيّ النسيان ولكي يعرف البشر بأنّها تمّت في شخص يسوع الناصري، دوّن الإنجيل سلالتين ليوسف البتول رجل مريم. وكِلتا السّلالتين تذكران بأنّ يوسف البتول نازل على خطّ مستقيم من الآباء الأقدمين ومن ملوك يهوذا كما يصرّح بذلك القديس متّي الإنجيلي في السلالة التي سردها نزولًا من إبراهيم حتّى يوسف رجل مريم. فكان إذن يوسف البتول سليل الآباء والملوك وكان أجداده أولياء الله إبراهيم وإسحق ويعقوب وبنوهم والملوك أصفياء العليّ، داود وسليمان وعشرون ملكًا آخر توارثوا عرش يهوذا. يا للمجد المؤثل والحسب المفضل! أما مار يوسف البتول فلم يكن يحسب لذلك حسابًا ولا أُعجب بنفسه لكرم محتده وطيب ارومته بل كان سعيدًا بأن يعيش في عصر فيه أضحى ذلك الشرف الأثيل اثرا بعد عين وحط الدهر على ابناء الملوك وسامهم ذلًا وهوانًا.
إنّ الإنجيل المقدّس لم يذكر أجداد مريم، لكنّه اكتفى ببيان سلالة مار يوسف البتول وتحدّره من سبط يهوذا ومن ذرّية داود، وفي الوقت عينه أثبت سلالة مريم خطّيبته. إذ كانت المرأة حسب ناموس موسى، سيّما المرأة النبيلة، مفروضًا عليها أن تقترن برجلٍ من سبطها وحتى من عائلتها. فدم واحد ملكي، كان يجري في عروق مريم ويوسف البتول. وهكذا فإنّ شرف عائلة مريم ونسبها الكريم ما عرف عند المسيحيّين إلّا بيوسف البتول. عندما أخذها خطيبة له حسب الناموس. وما عدا ذلك فإنّ مار يوسف البتول بخطبته للعذراء والدة المسيح الكليّة النقاوة، قد أشرك يسوع أيضًا بنسبه الشريف الأرضي وميراثه الملكي. إن مار يوسف البتول كان إبن الملوك بل وملكًا بقوّة الشريعة التي رسمها الله لذرّية داود، لأنّ أجداده كانوا أحفاد داود الملك الأبكار، فبحكمةٍ إلهيّة إذن قد انتُخب يوسف البتول ليُعرف بأبي المخلص. وكان ليسوع الحق كإبنٍ ليوسف البتول بأن يخلفه ويرث أملاكه وألقابه وهكذا تمّت فيه أقوال الانبياء بأنه الوارث الشرعي لمملكة يهوذا وهذا الميراث ما كان يمكنه أن يناله من مريم والدته حيث لم يكن للنساء حق أن يرثن عرش المملكة ما دام هناك أحفاد ذكور لذريّة داود. فلنهنّئ نجّار الناصرة على شرفه الباذخ ولنتعجّب من تجرّده عن كلّ مجدٍ أرضي وكلّ طمع بشري وكلّ رغبة الى الظهور والافتخار. ولنطلبنّ منه فضيلة الاتّضاع العميق
واحتقار أباطيل العالم ولنسع على مثاله وراء ما فيه مجد الله وامتلاك يسوع ونعمته.

خبر

إنّ القديس يوسف البتول سليل ملوك يهوذا ووريثهم لم يجلس على عرش أجداده ، لكنّه حظي بزيارة الملوك وقدومهم بين يدي إبنه الإلهي وذلك عندما أتى الملوك المجوس بقيادة النّجم العجيب ليسجدوا لمولود بيت لحم فلا بدّ أنّ أولئك الملوك قد قابلوا مار يوسف البتول أوّلًا كرئيس العائلة المقدّسة فقبلهم وأدخلهم إلى حيث كان الطفل وباسمه تقبّل هداياهم ووزّعها على الفقراء فمن يصف ما شعر به حينذاك من الفرح العظيم وكيف شكر الله على الرسالة الشريفة التي انتدبه لها وقد رأى بعينيه إنجاز ما سبق الانبياء وقالوه على الطفل الالهي وهو: أنّ ملوك الأرض وكلّ الشعوب يُسرعون للمسجود له.

إكرام

لا تفتخر بحسبك ونسبك ولا تتباهى بثروتك ومزاياك الطبيعيّة ولا بكلّ ما تملكه من أباطيل العالم. واهتمّ على مثل مار يوسف البتول بما هو لله ولا تفتّش إلّا عن مجده تعالى ومحبّته وخدمته وصلّ لأجل الملوك وساسة الشعوب لتمتلئ قلوبهم رحمةً وحكمة.

صلاة

أيّها القديس العظيم، يا ابن داود وسليل مجده، يا من قد احتقرت العالم وأباطيله، وأحببت الحياة الخفيّة والعيشة الفقريّة فرفعك الله الى منزلة سامية لم ينلها اجدادك الملوك العظام. أتوسّل إليك أن تنال لي نعمة الإتّضاع الحقيقي ونعمة الكُفر بالذات اللتين بدونهما لا يستحقّ أحد أن يُدعى تلميذ يسوع إبنك. أهّلني لهذا الشرف الحقيقي مصدر السلام والسعادة حتى إذا ما سرت على خطواتك واقتديت بفضائلك أنال السعادة الأبدية بشفاعتك القديرة آمين.

 

اليوم السابع

القديس يوسف البتول شرف العملة المسيحيين

عندما خطئ أبوانا الأوّلان، قاصص الباري آدم بأكل خبزه بعرق جبينه، كانت الارض قبل الخطيئة الجدية تعطي ثمرها للإنسان بأوفر سهولة، أمّا الآن فلا تعطيه إلّا بالكدّ والتّعب وعرق الجبين، وكما أنّ السيد المسيح انتشل الإنسان الساقط من الوهدة، هكذا أيضًا قد انتشل عمل المرء، وبعد أن كان العمل يحسب عقابًا، أصبح الآن فخرًا لقضاء حاجاته، وفي الواقع قد تأنّس ابن الله من رجل عامل، وشاء ان يكون حانوت النجارة له مأوى بدلاً من سماء السماوات، ولدى ظهوره بين الناس ليبشّر بالشريعة، رضي أن يظلّ مختفيًا، لا يعرفه أحد إلّا بابن يوسف النجّار، وبقي مدّة ثلاثين سنة يأكل خبزه بعرق جبينه، ليُعطي مثالًا حميدًا للعملة وليُشرف العمل وذويه، فالأغنياء كانوا قبلًا يحتقرون الشعب ويكرهون العمل حاسبينه ذلًا وعارًا.
فهل علمتم إذًا، أيّها العمّال من أين أتى شرفكم ورفعة مقام مهنتكم؟ منذ اليوم الذي صار فيه يسوع عاملًا تحت رعاية القديس يوسف البتول، أصبح العرق الذي يتصبّب من جباهكم المنهوكة تعبًا أفخر من الجواهر التي تزيّن تيجان الملوك، وأيديكم المتكلكلة من الشغل أسقل من سيوف الفاتحين، وأنغامكم الخارجة من أفواهكم إبّان العمل سلوى لكم وإزالة لهمومكم أشهى وألذّ، على مسامع العليّ، من صلوات الحبساء الذين يمجّدون الله بها ليل نهار، وأصوات معاولكم وآلاتكم تحاكي موسيقى شجيّة الأنغام، ودخان معاملكم بخورًا زكيّ الرائحة. 
فكم من القديسين نالوا إكليل الظّفر وسعف نخل الانتصار بواسطة العمل؟ فإنّ الله قد أجلسهم على عروش من نور وأُجلس على مقربةٍ من مريم العذراء العامل الأكبر، أعني به القديس يوسف البتول نجّار الناصرة، زعيم العمّال وشرفهم، فانظروا، أيّها العمّال الى موضوع شرفكم ومجدكم وتعلّموا أن ترفعوا قلوبكم نحو الله، بينما تكون أيديكم قابضة على المعول والمطرقة، واشتغلوا كي تربحوا قوت الجسد، بالوقت ذاته لتنالوا حياة خالدة خالية من كلّ تعب وشقاء، إشتغلوا اليوم كخدام راجين أن تكونوا ورثاء الموت بعد الموت.
هكذا كان يشتغل القديس يوسف البتول ومريم ويسوع، وهذا هو العمل الذي ليس فقط لا يحط من قدر الانسان، بل يشرفه ويزيد في عظمته، وهو شرف ثابت لا تذريه الأرباح مع التراب الذي يشتغل به الإنسان، بل يتصاعد إلى العلاء، ويتجمع ليصنع إكليلًا فاخرًا يتوّج هامنا بدلاً من العرق.
فيا يسوع ومريم ومار يوسف البتول، العائلة العاملة المقدسة، مثال الشعب الفقير وملجأه وحاميه، ذودوا عن العمّال وخلّصوهم من شرّ الاصحاب الكذّابين، إملأوا بيوتهم من عطاياكم وبركاتكم، وليحلّ السلام في منزلهم في هذه الدنيا وفي الآخرة.

خبر

في سنة 1648 كان رجل اسمه عبدالله يعيش في نابولي وقد وكل اليه سيده حراسة مواشيه، فهذا لم يكن يحتمل ان يلفظ أمامه لفظة أنّه مسيحي، ووجد راعٍ اخر من مذهبه مرافق له لم يكن أقلّ منه بُغضًا للمسيحيين، وقد ضاقت الحيلة في إقناعهما باحترام دين المسيح، غير أنّه قد لُوحظ عليهما أمر نادر، عديم التصديق وهو أنّهما كانا يوقدان شمعة أمام صورة العذراء الموجودة في بستان سيّدهما، فسألهما سيّدهما (لماذا تفعلان هذا؟) فأجابا (لنكون تحت حماية هذه السيّدة القديرة، وبيان لنا أنّها كليّة الحنان، لأنّها تُرسل إلينا أشعّة نور ساطع وسط الظلام، حيث نكون على حراسة مواشينا)، فانتهز السيّد هذه الفرصة واستدعى أحد الآباء اليسوعيّين ليفقههما في الامور الدينية ويعمّدهما، لكنّه لم يحصل إلا على تجديفهما وشتائمهما، وفي إحدى الليالي، بينما كان عبدالله مستغرقًا في النوم إذا بصوت يناديه باسمه، فقام مذعورًا فرأى سيّدة لابسة ثوبًا أبيض والنور ينبعث منها، ومعها شيخ جليل، فقال بهما عبدالله (كيف استطعتما الدخول إلى هنا والابواب مغلقة؟) فقالت له السيّدة (أنا هي العذراء مريم التي تكرّمها وهذا هو خطّيبي القديس يوسف البتول، فأريد منك ان تتعمّد وتأخذ إسم يوسف البتول). 
وغابت عنه الرؤيا، وعند الصباح استدعى الكاهن اليسوعي واعتمد منه وسُمّي يوسف، فكان له القديس يوسف البتول عونًا في حياته وفي ساعة مماته.

إكرام

أُتل الأبانا والسلام والمجد على يد القديس يوسف البتول لأجل هداية الكفرة إلى الايمان.

نافذة

يا مار يوسف البتول، شرف وهداية العملة، صلّ لأجلنا.


اليوم الثامن

تأمّل في القديس يوسف البتول مربّي يسوع المسيح

إنّ ألقاب مار يوسف البتول كلّها مجيدة فلنتأمّل اليوم باللّقب الذي خُصّ به أكثر من غيره والمطبوع على شفاه المسيحيين طرًا، أعني به مربّي يسوع المسيح لنكشف القناع عن هذا الإسم فنعرف ما حواه من شرفٍ سامٍ ومجدٍ أثيل، لنفتح عقلنا لأنوار الإيمان وقلبنا لمفاعيل النعمة، ولنطلب من الطفل يسوع أن يُطلعنا على الكنوز الروحيّة المختفية في حياة مربّيه الجليل. كان يمكن لمخلّص العالم أن يولد ويعيش في غضارة ونعمة ومال وفير وثروة طائلة. لكنه حبًا بنا فضّل شظف العيش على رفاهه وخضع للبؤس والمسكنة، وبنتيجة ذلك فقد انتخب لإدارته الزمنية خلائق فقيرة ووضيعة. فما أراد أن تكون أمّه إلّا غنيّة بالفضائل والنعم، واتّخذ له أبًا عاملًا مسكينًا لا ثروة له سوى عمل يديه ولا ملك عنده سوى حانوت حقير ولا وسيلة للعيش ما خلا تعب بدنه. تلك كانت حالة من دُعي الى الإشتراك بعمل الفداء مع المخلّص وأوّلهم يوسف البتول بن داود الذي أُوكل إليه أمرًا عاشته، يا للشرف ويا للوظيفة السامية! إطعام من يُطعم الخلائق بأسرها! إطعامه الخبز اليومي بعرق جبينه! يا مربّي يسوع ما أمجد وظيفتك! وما أقدس أتعابك! إنّك تكدّ و تتعب لتحافظ على حياة مُعطي الحياة! تبذل قواك لتقوّي من هو القوّة بالذات! وبذلك تُعدّ الضحيّة الإلهيّة التي ستُذبح على مذبح الصليب لخلاص الجنس البشري.
إنّ يسوع المسيح هو إله وإنسان معًا فبكونه إلهًا ليس له أب سوى الآب السماوي الذي ولده منذ الأزل وبكونه إنسانًا ليس له سوى العذراء أمّه التي حملته تسعة أشهر في حشاها الطاهر وغاذته بحليبها البتولي مدّة طفولته فلاهوته ما كان محتاجًا الى أن ينمو ويكبر لحصوله منذ الازل على الكمالات كافّة. أما النّاسوت الذي أخذه من أمّه فكان عليه أن ينمو ويكبر ويتكامل حتى يوم تعليقه على شجرة الصليب فمن يهتمّ بحاجات ناسوته سوى مربيه؟ من يساعده على تقوية جسمه سوى ابيه بالذخيرة! 
من يملأ عروقه بالدم الثمين الذي سيُهرقه في آلامه على خشبة العار سوى يوسف البتول بثمرة أتعابه وشغله اليومي، فمن يُنكر بعد هذا إشتراك يوسف البتول مع الله الآب وابنه الوحيد ومريم البتول في عمل الفداء؟ نعم، إشتغلَ يوسف البتول ليُطعم المخلّص، ويداه المخدوشتان بآلات النجارة سوف تتلألأان بالمجد لأنّهما أضحتا بعد حضن الآب الأزلي وحضن أمه الطاهرة الينبوع الثالث لعمل خلاصنا.
فيا أيّتها النفوس التقيّة إعترفن الآن بالدين العظيم الذي عليكن نحو مربّي يسوع واشكرنه جزيل الشكر على اعتنائه الأبوي الفريد بضحيّة خطايا البشر، وعِدْنه بأن لا تنسين ذكره قطّ.

خبر

إنّ الأب فابر رئيس رهبانيّة المصلّين في لوندرة والذي نشر كتبًا تُقوية ومفيدة عديدة كان مشهورًا بعبادته للعذراء مريم ولمار يوسف البتول. ففي كلّ مواعظه وإرشاداته كان يتكلّم عليهما ومن جملة أقواله أنّ قداسة مريم ويوسف البتول هي من السمو بحيث أنّها تُدهش جميع الخلائق، لا حتى نهاية العالم فقط، لكن طيلة الابديّة كلّها. كان الناس يحسبون يوسف البتول أبا يسوع الحقيقي لرؤيتهم أياه قائمًا بكلّ واجبات الأبوّة أحسن قيام يا للعجب! إنّ يسوع كان بطبيعته البشريّة خاضعًا لمار يوسف البتول على حين أنّه بطبيعته الألهيّة ما كان يمكنه أن يكون خاضعًا لأبيه الأزلي لأنه مساوٍ له.
يا للكنزين الفريدين اللذين أودعهما الله مار يوسف البتول، حقٌ لنا أن نسمّيه بكلّ جدارة مُخلِصًا لمخلّص العالم.

إكرام

تعبّد خاصةً لطفولة يسوع التي كان لمريم ويوسف البتول النصيب الأوفر منها. ولما تحتفل الكنيسة المقدّسة بذكراها لا تنسى ذكر البتول والدته ويوسف البتول مربيه، والتمسهما أن يثيرا في قلبك حاسياتهما التي أحسّا بها عندما كانا شاهدين لهما وصلِّ لأجل أرباب العائلات.

صلاة

أيّها القديس العظيم إنّك أضحيت الكاهن الأوّل الذي حمل ابن الله بين يديه وقربه لأبيه الأزلي. أناشدك بأن تُلهمني شواعر إيمانك الحار ومحبّتك المضطرمة في أثناء حضوري الذبيحة الإلهيّة المملؤة فوائد خلاصيّة للذين يحضّرونها بالاستعداد اللازم. إجعلني أن أتصوّرك دائمًا بجانبي وقت القدّاس الألهي فأتعلّم منك الإحترام الواجب لهذا العمل العظيم وأجني منه الثمار الخلاصيّة. آمين.

 

اليوم التاسع

تأمّل في ذهاب العائلة المقدسة الى المنفى

إنّ الحادث الذي نتأمّل به اليوم تتجلّى فيه فضائل مار يوسف البتول بأجلى مظاهرها. إنّ يسوع وان لم يكن مدينًا بحياته لمار يوسف البتول لكنّه أضحى مدينًا له بصيانتها من خطر الموت ونجاتها من غضب هيرودس الملك. فهو إذن بالحقيقة مخلّص العالم، يا لنعتٍ فاق سائر النعوت !
كان هيرودس ملكًا على اليهودية لمّا قدم المجوس ليسجدوا لملك اليهود الجديد مولود بيت لحم . فقلق لهذا النبأ وجزم أن يهلك مزاحمه غير المنتظر. فأمر بقتل جميع أطفال بيت لحم. ظانًا بذلك أنّه يتخلّص من ملك لم يكن في الحسبان. لم يكن يوسف البتول ومريم يعلمان هذا الامر المشؤوم لكنّ السماء كانت ساهرة على حياة يسوع وسرعان ما تداركت أمر خلاصه من غضب هيرودس. لعمري كيف ينجو يسوع من السيف المسلّط على رأسه؟ هل يُرسل الله ملائكته للدفاع عنه؟ كلّا !
هل يُلهم الملوك المجوس ليأخذوه معهم الى بلادهم ؟ كلّا ! هل يعهد بأمر نجاته الى مريم أمّه ؟ كلّا ! بل إنّ يوسف البتول وحده يقوم بهذه المهمّة الخطرة والعظيمة الأهميّة.
فبينما كان يوسف البتول نائمًا إذا ملاك الرب تراءى له في الحلم قائلًا له: قم فخذ الصبيّ وأمّه واهرب إلى مصر وكُن هناك حتى أقول لك فإنّ هيرودس مُزمع أن يطلب الصبيّ ليُهلكه، يا للأقوال المُحرجة، يا للوحي المهول والمحزن ! بل قُل أيضًا يا للشرف الفريد ليوسف البتول النجّار! إنّها لمهمّة في غاية الاهميّة أبلغه إيّاها أحد أمراء البلاط السماوي، أوفده العليّ ليكلّمه باسمه فماذا قال له: خذ الصبيّ وأمّه. ما أسعدك يا ابن داود وما أعظم مقامك بعد أن إئتُمنت على كنزين هما أثمن ما في السماء وما على الارض. وذلك أحرج زمن من حياتهما وأكثره خطرًا؟ إليك عُهِد أمر خلاصهما من يد المقتال؟ خُذ الصبيّ والصبيّ على كونه إبن الله والمساوي له في الجوهر. فهو ابنك بالذخيرة أيضًا وأمره يخصّك دون سائر الخلائق. عليك أن تُحاميه حين هو ضعيف. خُذْ والدته فخر أورشليم الأرضيّة والسماويّة. هي البتول المباركة بين النساء. هي أمّ ابن الله وهي ايضًا خطّيبتك وأمرها منوط بك فعليك أن تعزّيها في أحزانها، رحماك يا يوسف البتول، إنّ الصبيّ على وشك الهلاك والسيف الذي يضربه يطعن قلب أمّه. ألا خلّصهما كليهما من مخالب النّمر المفترس، عليك يعتمد الله. وعلى فطنتك وتفانيك يتّكل تمام الإتّكال. ولكن ماذا يفعل يوسف البتول لئلّا يُخيّب ثقة هذه عظمتها في زمن اهتزّت لحراجته أركان السماء خوفًا على وحيد العليّ؟ فقال له الملاك
أسرع لا تتماهل، شدّ الرّحال حالًا الى مصر، أهرب إليها. فقام يوسف البتول للحال وقد ارتعدت فرائصه من الخطر المحيق بالطفل وأمّه. وفي منتصف الليل الدامس. دون تردّد ولا اعتراض ولا تشكّ قام ووجهته طريق مصر أرض المنفى سار وهو عالم بوعورة الطريق وأخطاره الجمّة وبما سيُلاقيه من محن وشدائد ولكنّ الله أمر ويوسف البتول أطاع. تأمّلي يا نفسي بيوسف البتول وهو يسير تارةً في وسط ظلمات حالكة وأخرة يصعد جبال اليهودية الصعبة المرتقى وأونه يقطع صحراوات رملية وحينًا يصادف طرقًا مجهولة وهو وحده مع عذراء ضعيفة وطفل ليس له من العمر سوى بضعة ايام. كم من أتعاب؟ كم من أوصاب؟ كم من مخاوف اعترضت رئيس هذه القافلة المسكينة؟ من يمكنه أن يصف أحزان قلبه عندما كان ينظر الى مريم وهي تضمّ إلى قلبها حبيبها ووحيدها الذي حاول هيرودس أن يثكلها اياه؟ أجل إنّه لمنظر يُفتّت الأكباد الصخريّة وإنّها لحالةٌ تمزّق القلوب الجلمودية حزنًا وإشفاقي على أمّ وطفل عاديين فكيف بطفلٍ عجيب وهو موضوع تنهّدات الآباء وحسرات الانبياء ورغبات الشعوب. بطفلٍ هو خلاص العالم وموضوع مسرّات السماء ووحيد الآب الأزلي ولا ملجأ له آنذاك سوى حضنٌ بتولي لم بتول ولا محامي له سوى مربٍّ فقير أعزل أجل أي لسان يمكنه أن يصف حزن يوسف البتول؟ أي حسرات لم تخرج من صدره وأيّة عبرات حارّة لم يسكبها خفية طيلة المسافات الشاسعة التي قطعها والحزن قد أخذ من قلبه كلّ مأخذ ؟
أيّتها النفوس التقيّة رافقي بالروح هذه العائلة المهاجرة وتعجبي من طاعة رئيسها وخضوعه وممّا بذله من حنان والدي وشفقة نحو الطفل ووالدته ! قدّمي له عبارات التعزية والتفجّع وتعلّمي منه الخضوع التام لأوامر العليّ ما بين شدائد ومحن تنتابك من حين وآخر ما دمت أنت في هذا المنفى.

خبر

إنّ سرّ هرب العائلة المقدّسة إلى مصر ما زال يشغف النفوس العابدة. فقد تأمّلته وأشبعته درسًا واجتنت منه فوائد جليلة. وما من وصف مؤثر لهذا السفر كالذي وصفه القديس الفونس ليغوري بقوله إنه ما من أحد يستطيع أن يصف أحزان يوسف البتول في أثناء هذا السفر لأنه كان يُلاحظ تعب خطّيبته القدوسة غير المتعوّدة السير، وألم الطفل الذي كان هو ومريم يتراوحان حمله. ما أصعب ما كان ذلك السفر في قر الشتاء! وما أشدّ ما كان فزعهما من ملاقاة جنود هيرودس الظالم! وا ويلي هل كان قوتهما غير كسرة خبز يابس كانت معهما أو كانا يتسوّلانها في المنازل! أين كانا يقضيان ليلتهما إلّا تحت ظلّ شجرة أو في بطن مغارة أو هي الارض الجرداء كانت منامهما والسماء لحافهما. يقول مار بوناونتورا إنّ أوجاع هذا السفر دامت مدّة طويلة لأنّه كان على العائلة المقدسة أن تجتاز المراحل الطويلة التي أقام فيها بنو إسرائيل مدّة أربعين سنة قبل دخولهم أرض الميعاد. إنّ القافلة المجدّة في السير كانت تقطعها في خمسة عشر يومًا، ربما قطعتها العائلة المقدسة في أكثر من شهرين.

إكرام

أقصد أن تلتجئ إلى مار يوسف البتول في جميع شدائدك وأن تتّخذه قائدك في أسفارك ومحاميًا لك في أخطار النفس والجسد التي لا يبعد أن تحيق بك، وصلّي لأجل المسافرين والاولاد البعيدين عن أهلهم

صلاة

أيّها القديس الجليل، إنّ الحياة على هذه الارض الفانية ليست سوى سفر تتهدّده دائمًا أخطار وعراقيل هيرودس الجهنمي. لذلك فإني أسلّمك نفسي وجسدي لتقيهما مخاطر الحياة، وتنجّيهما من حيل إبليس اللعين الذي يسعى ليل نهار ليُهلكني. إسهر عليّ أيّها الأب الحنون والشفيع القدير ولا تتركني حتى تراني قد وصلت الى ميناء الخلاص، وهناك أسبّح معك مراحم إلهي على الدوام.

 

اليوم العاشر

تأمُّل في القديس يوسف البتول النجّار

لقد تأمّلنا حتى الآن في أمجاد مار يوسف البتول وعلائقه بالأقانيم الإلهيّة الثلاثة وبٱبن الله الصائر إنسانًا وبمريم العذراء الكليّة القداسة. أمّا اليوم فلنتأمّل في صفة مار يوسف البتول، أعني في حالته الفقريّة. إنّ يوسف البتول كان بعرق جبينه يكسب قوت يومه ولكن ما أسمى حالته تلك في نظر الإيمان، أنّه كان من ذريّة داود وقد ورث عن أجداده كلّ حقوق الملوكيّة ومع ذلك فقد وُلد فقيرًا وتعلّم حرفة النجارة وزاولها طول حياته ولم تكن تلك الحرفة لكسب قوته فقط بل كانت أيضًا لإعاشة مخلّص العالم. لقد احتقر المخلص رفاهيّة العيش وظواهر الحياة وأراد أن تُكمل مهمّته تحت ستر الفقر وما بين الأتعاب لذلك حتّم أن يكون مربّيه والمحسوب لدى الناس أباه من الطبقة الوضيعة يُشاطره محنه ومرائر عيشه. لذلك فكان اليهود يحتقرون يسوع وأباه بقولهم: (إنّنا نعرف أباه حقّ المعرفة، أليس هو إبن يوسف النجّار؟). نعم إنّ القديس يوسف البتول رجل الله والوصي على إبن الله وخِطّيب والدة المسيح كان نجّارًا يكدّ ويتعب لكسب قوت عائلته وهو فرح ومسرور بحالته بما جعلته شبيهًا بابن الله الذي انتخبَ الفقر نصيبًا له والضّعةَ حصّته. لنتصوّر البيت المبارك حيث كانت تسكن العائلة المقدسة بعيدة عن ضوضاء العالم. إنّ هذا البيت رغم صغره وحقارته كان من أعظم القصور وأفخمها لأنّه كان يأوي الله ملك الملوك وملكة الملائكة وأمين خزائن الله. طغمات الملائكة كانت تحيط به كحرس الشرف ومن أعلى عرشه كان الله يرمقه بحنان وسرور عظيمين. لعمري ماذا في هذا البيت الحقير هل كانت عجائب وخوارق؟ كلّا. هل كان هنالك الكلمة المتجسّد يفيض على سكّانه فيوض علمه الغزيرة وأنوار حكمته الأزليّة؟ كلّا، ليس هنالك سوى فقر وصلاة وشغل ليس في ذلك البيت الحقير سوى أم مهتمّة بأشغال البيت وأب يحصل بكدّ يمينه وبعرق جبينه قوت يومه وإبن يسمع ويطيع. وهذا كلّه ما كان في ذلك البيت قدس الأقداس، نعم إنّ هذا كان خفيًّا عن أعين البشر الكليلة التى لا ترى سوى خارج الاشياء ولكن الله كان يرى هناك أعجب وأجمل ما صنعته يمينه القديرة. في ذلك البيت الايمان كان يرى عظائم الرحمة التي تعهدت ان تصالح السماء مع الارض وتمنح الجنس البشري مخلّصه المنتظر منذ أربعة الاف سنة وذلك المخلص المنتظر كان الطفل الصغير المهتمّ بخدمة أمّه. كان ذلك الصبي الخاضع لنجّار مسكين يشاطره أشغاله الشاقّة، هو الذي أنشأ العالم من العدم، هو الذي بيديه القديرتين ملأ الفضاء معجزات وعجائب. يا يوسف البتول النجار هل من شرف يُضاهي شرفك؟ لقد علّمت ابن الله حرفة النجارة، لقد أخضعت لشريعة الشغل المكفّرة عن الخطيئة ذلك الذي صار ضحيّة خطايا العالم. ما أعظمك في تواضعك، ما أهيبك في مهنتك الحقيرة، ما أوقرك في حانوت يخدمك فيه ابن الله ويخضع لأوامرك ويتعلّم منك.

خبر

نقل أحد الكهنة الورعين الخبر التالي عن رجل في خورنيّته قال: (كان في خورنيّتي رجل غير مؤمن وعنيد فاتحته مرارًا بأمر رجوعه إلى حضن الكنيسة ولكن دون جدوى. ففي شهر آب سنة 1871 أُصيب ذلك المسكين بمرض عضال عجز نطس الأطباء عن شفائه، فاستدعاني أهله لأفاتحه أيضًا بأمر خلاص نفسه لكنّه أنكر على الكلام ورفض المباحثة بهذا الشأن فقصدْتُ أن أقدّمَ الذبيحة الإلهيّة على نيّته وحرّضْتُ عائلته على الاشتراك معي بالصلاة الى القديس يوسف البتول. فأوقدتُ الشموع أمام صورته ووعدته بأن أذيع خبر هذه النعمة إذا نالها لي من مراحم الله، فكان كما أردت لأنّي عندما رجعت ثانية رأيتُ المريض مستعدًّا لاقتبال نصائحي والعمل بها فجحد ضلاله وكل ما كان يعتقد به من مبادئ فاسدة وتعاليم كاذبة وقبل أسرار الكنيسة بقلب منسحق بالندامة وبعد اثنتي عشر ساعة أسلم روحه بيد خالقها فالشكر للقديس يوسف البتول الذي أوعب قلوبنا فرحًا بهذا الحادث العجائبي.

إكرام

لا تغتمّ إن كنت من أصلٍ وضيع أو في حالة فقيرة او ملتزمًا بأشغال شاقّة لكسب قوت عائلتك بل تذكّر نجّار الناصرة ومنه تعلّم أن تشكر الله وتقدّم له أتعابك وصلّ لأجل الفعلة والفقراء.

صلاة

يا نجّارًا أرفع قدرًا من الملوك يا من صار له الحظّ الفريد بأن يقيت باري البرايا ومقيتها، يليق بكلّ البشر بل يجب عليهم ان يقدّموا لك آيات الشكر والحمد على الأتعاب التي قاسيتها حبًّا ليسوع المسيح مخلّصنا ولمريم العذراء أمّنا الحنونة، ليت لي ألسنة الملائكة والبشر لأعرب لك عن حاسّيات معرفة جميلهم، وليت لي قلوبهم لأقدّم لك عواطف حبّهم لأنّنا مدينون لك بعد مريم بالدم الثمين الذي أُريق على الصليب لأجل افتدائنا، فلا تسمح أن يكون ذلك الدم الثمين مُهرقًا من أجلنا سدًى، بل إستمدّ لنا أن نستقي من جروحات يسوع النعم الفعّالة لخلاصنا فنستحقّ أن نشكر لك يومًا في السماء مع يسوع ومريم على جميع أتعابك وأوجاعك التي احتملتها في سبيلهما وأن نعظّمك مع الملائكة والقديسين إلى أبد الآبدين، آمين.

 

اليوم الحادي عشر

تأمّل في القدّيس يوسف البتول العبد الصالح والأمين

على كلّ خليقة واجب مقدّس: أن تعبد الله وتطيعه لأنّه علّة وجودها ولا مناص لخليقةٍ من هذا الواجب. إنّما للقدّيس يوسف البتول وحده هذا الإمتياز وهو أن يرى ٱبن الله خاضعًا لأوامره. وكما أطاع يسوع يوسف البتول مربّيه وخدمه، فيوسف البتول أيضًا قد بذل قصارى جُهده في خدمة يسوع. فلنتأمّل اليوم فيه صفة العبد الصالح والأمين، لنقتدي بمثاله ونسير على خطواته. إنّ الله لما ٱصطفى يوسف البتول لهذا المنصب السامي، دعاه في الوقت عينه إلى حياة تجرّد وكفر بالذات بطوليّين، إنّه لمقام جليل ورفيع مقام خطّيب العذراء الفريدة بين الأنام، ومربّي مخلّص العالم، ولكن لا ورد بلا شوك، فإنّ هذا الشرف يكلّفه أتعابًا جمّة وتضحيات صعبة وواجبات ثقيلة، فمنذ اليوم الذي فيه ٱطّلع على السرّ الذي تمّ في مستودع خطّيبته الكليّة القداسة، شمّر عن ساعد الجدّ ولم يحتسب ذاته إلّا عبدًا ليسوع ولمريم، فقدّم لهما كلّ ما كان يملكه وخصّص لخدمتهما قواه الروحيّة والماديّة. طالِعوا الانجيل، رافقوا العائلة المقدّسة في بيت لحم، في اورشليم، في مصر وفي الناصرة، في كلّ مكان تشاهدون هذا العبد الصالح والأمين مضحّيًا براحته، باذلًا كلّ ما بوسعه في سبيل إرضاء يسوع ومريم والسهر على صوالحهما. هل للسان بشري أن يصف ما نالته مريم من خطّيبها البار من تسليات في ضيقاتها وتعزيات في أشجانها ومساعدات في ملمّاتها وتقويات في مخاوفها. بأيّة شهامة سهر على بتوليّتها وبأيّة فطنة حافظ على سرّ أمومتها الإلهيّة ودافع عن شرفها، وبأيّ حنان والدي قام بأودها ووقار سائر الحدثان؟ لم يكن أحنّ الآباء أكثر سخاء نحو وحيدته من يوسف البتول نحو مريم خطّيبتة، لعمري أنّ بذل حياته في سبيلها كان عذبًا لديه، ومن يمكنه يا ترى وصف تفانيه في خدمة يسوع، وما كان أعظم سهره عليه، وما كان أشدّ حبّه له. شاهدوه في بيت لحم بقرب المذود، تأمّلوا فرحه لدى قدوم الرعاة والمجوس. ما أحلى الأوقات التي قضاها وهو يحمل ابن الله بين ذراعيه ويضمّه الى قلبة الأبوي. أنظروه هاربًا الى مصر، حاملًا كنزه الثمين وقد أخفقت حيل هيرودس فطنته وحرمته نيل مأربه الجهنّمي. رافقوه بالروح وهو يقطع تلك الفيافي القاحلة في صعود وهبوط صابرًا على البلوى، مقتحمًا الأخطار، محتملًا مصائب المنفى، راضيًا بكلّ شدّة على أن يُخلّص الطفل وأمّه وأن ينجّيهما من كلّ أذًى، تأمّلوه يساعد يسوع في خطواته الأولى، إسمعوه يعلّمه التلفّظ بألفاظ الحب والإكرام لإله إسرائيل، شاهدوه يمرّنه على شغل النجارة وهو يشتغل معه ولأجله ليُقيته ووالدته مدّة ثلاثين سنة بكدّ يمينه وعرق جبينه.

أخيرًا، إنذهلوا من أمانة هذا الأمين وسرعته العجيبة الى ٱمتثال أوامر العليّ دون ٱعتراض ولا تشكٍّ ولا تردّد ولا تذمّر. إذا أُمر أن يُسافر كان أسرع من البرق وإذا أمر أن يُقيم في مكانه أقام طائعًا واذا أُشير إليه بالعودة عاد. يا للخضوع التامّ ويا للأمانة النادرة ٱلمثال.

خبر

إنّ الأنفس التقيّة لدى تأمّلها في هرب العائلة المقدسة الى مصر قد ٱتّخذت القديس يوسف البتول شفيعًا للأسفار الشاقّة.
يُحكى عن شاب ٱنخرط في سلك النوتيّة وركب البحر قاصدًا مدينة مارسيليا، فعندما ودّعته أخته وضعت في جيبه أيقونة صغيرة عليها رسم القدّيس يوسف البتول مبتهلةً إليه أن يُرجع أخاها سالمًا غانمًا. ففي منتصف الطريق بينما كان المركب يشقّ عباب البحر، أمر القبطان ذلك الشاب بأن يشدّ حبالًا على ساريةِ المركب، وكانت تلك السارية نَخِرة، فما أن وقف عليها حتى ٱنكسرت وسقط الشاب في البحر دون أن يشعر بالأمر أحد، وبقي المسكين زهاء الساعة يصارع الأمواج ليدنوا من المركب حتى خارت قواه وأيقن بالهلاك، فخطرت على باله أيقونة مار يوسف البتول وصلاة أخته، فندبه ونذر له نذرًا، فٱنتعشت قواه وشعر كأنّ يدًا غير منظورة تساعده، وما هو إلّا القليل حتى ٱلتفت اليه القبطان، فطرح له حبلًا تمسّك به وصعد الى المركب سالمًا بعد ما كان قد يئِس من النجاة، فأكمل نذره وقدّم الشكر لمار يوسف البتول الذي نجّاه من الخطر وأرجعه إلى أهله بالسلام.

إكرام

قال أحد عبيد مار يوسف البتول الأتقياء أنّ العناية الإلهية قد رفعت هذا القدّيس منزلةً يغبّطه السارفون عليها وما زلت أناشد يسوع ربّي وأسأله النعم باستحقاقات أتعاب وخدمات مربّيه، وأن يمنّ عليه بأن أخدمه بالروح والحق وقد أوحى الرّب إلى إحدى النفوس بأن يستجيب بسرعة الطلبات التي تقدّم له على ذكر الخِدم التي قام بها مار يوسف البتول على الأرض نحوه.

صلاة

أيّها القدّيس يوسف البتول، يا من رافقت يسوع في كلّ أسفاره، وكنت له حارسًا وهاديًا، أسألك من أعماق قلبي أن تكون حارسي وقائدي في سفري هذا على الأرض ولا تسمح بأن أزيغ عن السراط المستقيم أو أن أفقد يسوع ومريم بالخطيئة. كن لي نورًا في ظلمات الحياة وسندًا في متاعبها، إلى أن أصل الى أرض الأحياء حيث أذوق الراحة الأبديّة. آمين.

 

اليوم الثاني عشر 
القدّيس يوسف البتول مثال الصبر

من الأمور الثابتة أنّ حياة الإنسان في هذا العالم هي حربٌ عوان، ولا سيّما حياة الذين كرّسوا نفوسهم لخدمة الله، فإنّ حياتهم معرّضة للحرب كلّ ساعة أكثر من سواهم، والمسيحي الحقيقي يُكابد، فضلًا عن الإنهماكات والإضطرابات العالميّة التي تشمل جميع ذريّة آدم، إضطهاد أعداء الإيمان وٱحتقارهم وسوء معاملتهم، بسبب إسم المسيح الذي يحمله، فإنّهم لا يغفلون قطّ عن تكدير صفاء حياته المسيحيّة الهادئة، ليت شعري! كم هي عميقة تلك الأحزان التي تَلِجُ فؤاده، عندما يعاين الإضطهاد العنيف الذي يقع على أبناء الله في كلّ أنحاء المعمور، فضلًا عمّا يلحق ذا الجلالة من التجاديف والإضطهادات لكنيسته المقدّسة، إنّ الأحزان التي تمزّق أحشاء هذا الرجل المسيحي، عندما يرى جميع هذه الأمور المغايرة لوصايا العليّ المقدّسة هي عظيمة جدًّا، ولهذا يجب أن تكون فضيلة صبره أعظم. 
إنّ القدّيس يوسف البتول الصّبور، المثال السامي لهذه الفضيلة، كان يُقابل الإضطهاد بثبات جأش محتملًا المصاعب الجمّة، التي كانت تعثر سبيله في هذه الحياة، بصبرٍ جميل، ويُظهر أبدًا وداعة الحمل مسلّمًا إلى مشيئة الله لئلّا ينفذ صبره خلال تلك المعارك العديدة. 
لقد كان هذا الشيخ الجليل عدوًّا لذاته وأميال طبيعته، لا يرهب المنون أمام أعدائه الكثيرين الذين أرغموه أن يهجر وطنه المحبوب إلى بلاد نائية، إحتمل ما ٱحتمل من الشدائد والإضطهادات دون أن يَنبُس ببنت شفة بحقّهم، ولم يُبدِ أدنى إشارة تنمّ عن عدم تسليمه إلى مشيئة الله، على الرغم من وظيفته، الأبوّة ليسوع، التي كانت تُتيح له أن يدافع عنه.

كن لنا أيّها القدّيس يوسف البتول محاميًا ومدافعًا لننال فضيلة الصبر التي نحن بأمسّ الحاجة إليها، لقد أثقلت كاهل العالم عواصف الإضطهاد وأحاقت بالمسيحيين جيوش الشكوك، وأحدقت بالكنيسة وبرأسها المعصوم جحافل الإزدراء والإستخفاف، وكاد يضمحلّ نور بهائها بٱنحياز بعض أبنائها إلى البدع، وهي مهدّدة أبدًا بحملات ناكري الوحي الإلهي الذين ينفثون سموم تعاليمهم خلال إجتماعاتهم وأحاديثهم.
فٱسأل الله، أيّها القدّيس العظيم نعمة الصبر لنا ولجميع العالم المسيحي، لنتمكّن من إحتمال المصائب التي نتعرّض لها، بصبرٍ مثل صبرك، ونحارب مجاهدين مثلك لنموت أخيرًا في سبيل دعوة ربّنا ومخلّصنا.

خبر

في سنة 1863 شيّدت أخوات الفقراء محلًّا في برسلونا لإيواء العُجّز الفقراء، ولم يكن محلّهم يسع كثيرًا نظرًا إلى صغره، فذات يوم طرق الباب شيخ فقير، قامت البوابة وسألته: (ماذا تريد؟) فأجابها: (أتيت لأكون هنا، فقد قيل لي أنّكم تقبلون العُجّز)، وعبثًا كانت تقنعه الرئيسة بأنّ ليس عندها محلّ بالوقت الحاضر، أخيرًا سألته: (ما ٱسمك؟) أجابها (يوسف) _ (أنت تُدعى يوسف؟) _ (نعم يا حضرة الرئيسة وسأكون يوسف قدر ما يريد الله)، فتحرّك قلب الراهبات لدى سماعهنّ هذا الإسم وصادف ذلك النهار الأربعاء المخصّص بالقدّيس يوسف البتول، فقرّرن قبوله، لكنّ الرئيسة حارت بأمره، لأنّه كان مصابًا بالقروح وعليه بعض البعوض، وأثوابه لا تكاد تستر بدنه، فقالت البوّابة للرئيسة: (إذهبي مع راهبة وٱطلبي إحسانًا على نيّة هذا الرجل، وأنا أغسله وأنظّفه إلى حين رجوعك) ، وما خرجت الرئيسة مع الراهبة وٱبتدأت البوّابة بعملها، حتى أتى رجل يقرع الباب ويقدّم بقجة أثواب للبوّابة، فما كادت تستلمها، حتى توارى الرجل، ففتحتها وإذ فيها كلّ ما يلزم من الملابس لذلك الفقير، ومنذ ذلك الوقت، بشفاعة مار يوسف البتول وبمساعدة أصحاب التقى، أصبح دير الراهبات قصرًا عظيمًا يحوي عددًا كبيرًا من العُجّز.

إكرام

أشفق على المُبتلين بالأمراض إكرامًا للقدّيس يوسف البتول.

نافذة

يا مار يوسف البتول، مثال الصبر، صلّ لأجلنا.

 

اليوم الثالث عشر

القدّيس يوسف البتول مثال التسليم إلى العناية الالهيّة

قد تلألأت فضيلة التسليم في القدّيس يوسف البتول، عندما ظهر له ملاك الرب في الحلم وقال له: (قم فخذ الصبيّ وأمّه وأهرب الى مصر وكن هناك حتى أقول لك، فإن هيرودس مزمعٌ أن يطلب الصبيّ يأتي) (متى 13:2).
فلا يخفى كم كان في هذا الأمر من الصعوبات، لأنّ القدّيس يوسف البتول كان عليه بموجب هذا الأمر أن يغادر وطنه وأقاربه، وأن يذهب إلى بلد بعيد ويقيم بين قوم وثنيّين لا يعرفهم ولا يرجو منهم أدنى عون وسلوى، وأن يصحب معه مريم والطفل يسوع، وما أدراك ما أصعب السفر على ٱمرأةٍ نحيفة المزاج وطفلٌ لم يكن قد ٱعتاد على تحمّل تقلّبات الجوّ، وأن يسافر سريعًا في نصف الّليل ولعلّه لم يكن عنده زادًا مهيّأً للطّريق، وأنّ الملاك لم يعيّن له كم بقي من الزمان في مصر، بل تركه هكذا متعلّقًا بأمرٍ آخر، مع هذا كلّه، لم يعترض القدّيس يوسف البتول ولا نظر الى هذه الصعوبات، بل قام وسافر حالًا مسلّمًا أمره تسليمًا مطلقًا إلى العناية الإلهية. 
كان بإمكان القدّيس يوسف البتول أن يتفلسف مع الكثيرين، معارضًا الأحكام الإلهيّة بقوله : (هل من المعقول أنّ ٱبن الله الجبّار، الذي سجدت له الملائكة عند ميلاده، يُظهر ضعفًا ويهرب خوفًا؟ كيف يكون آتيًا ليهدم قوّات الجحيم ويُنزل الأعزّاء والمتكبّرين عن عروشهم، وهو يهاب من وجه هيرودس؟ من هو هذا هيرودس؟ أليس ثعلبًا كما دعاه المخلّص بعد حين؟ وإن كان لا بدّ من الهرب لمقاصد خفيّة لا نعلمها، فلماذا إلى مصر؟ لا الى بلاد فارس، حيث نقيم عند المجوس معزّزين، مكرّمين، مخدومين، بكلّ سرورٍ وٱجتهاد؟) هذا كلّه لم يبالِ به القدّيس يوسف البتول، بل ٱكتفى بهذا البرهان، وهو أنّ الله هكذا أمر وهو يدبّر كلّ شيء، فما عليّ إلّا أن أطيع. 
فٱنتبهي أيّتها النفس المسيحيّة، إلى هذا المثال العظيم، وٱقتدي به وٱعلمي أنّ الله الذي يأمر، يطلب أن يُطاع حرفيًّا مع قطع النظر عن الصعوبات، وعمّا هو الأوفق والأحسن، فإنّ الله القادر على كلّ شيء، والعارف كلّ شيء، والذي لا يقصد في أوامره إلّا خيرنا وخلاصنا، يمهّد الصعوبات ويصيّر الشيء المأمور أوفق وأحسن، فالقدّيس يوسف البتول، بطاعته لأمر الله وٱتكاله على عنايته، تمّم المراسيم الإلهية فلم يدعه الله يحتاج إلى شيء. 
هكذا أنتِ، أيّتها النفس، إذا كنتِ تلبّين أوامر الله وتتّكلين على عنايته، فهو يهتمّ بكِ، ويسهّل لك الحصول على كلّ ٱحتياجاتِك، فهو القائل: (لا تهتمّوا قائلين ماذا نأكل و ماذا نشرب وماذا نلبس، إنّ أباكم السماوي عالم بكلّ ما تحتاجون إليه) (متى 32:6)
فإذا كان الله أبانا، فهو يحبّنا، وإذا كان يعلم بكلّ ما نحتاج إليه، فكيف يطاوعه قلبه أن يتركنا في الحاجة؟ وهل يعجز عن إعطائنا ما نحتاج إليه؟ وهو الآب السماوي القادر على كلّ شيء؟ فإذًا، أيّتها النفس المسيحيّة أطلبي قبل كلّ شيء ملكوت الله وبرّه، أطلبي أن تطيعي أوامره المقدّسة، وٱتركيه يدبّرك بعنايته الأبويّة.
فبذلك تمدحين الله مجدًا عظيمًا، لأنّكِ بعملكِ هذا تقرّين وتعترفين بقدرته وحكمته وجودته، وتبرهنين على ٱعتبارك ومحبّتك له، أذكري كلمة الله التي قالها لإبراهيم، عندما ٱستلّ السكّين ليذبح ٱبنه إسحق، طاعةً لأمر الله، وآمن بالرجاء، قال له الله: (الآن عرفت أنّك تحبّني) (تك12:22)، فضلًا عن السلام الباطن الذي تحصلين عليه بتفويض أموركِ كلّها إلى العناية الإلهية، فالقدّيس بطرس يوصينا قائلًا: (ألقوا همومكم عليه لأنّه يهتمّ بكم)، والمرتّل يقول: (الرب يرعاني فلا يعوزني شيء (1:22)، (ولا يدع الصدّيق مضطربًا إلى الدهر) (23:54).
فيا أيّها القديس يوسف البتول المعظّم، أنظر إلينا من علوّ السماء، فإنّ الإضطرابات محدقة بنا من كلّ جهة، إملأ قلوبنا ٱتكالًا على عناية الله، لنعيش في ظلّها، مطمئنّين كلّ أيّام حياتنا.

خبر

ليس من يُنكر أنّ جامعات الرهبات وأديرتهم كانت دائمًا هدفًا لسخط أصحاب الثروات، وإيطاليا لم تكن أقلّ حظًّا من بقيّة البلاد، ففي سنة 1855 كان دير للراهبات مدينًا لرجلٍ من عصابات الشيطان، وٱستحقّ الدين، والأخت المستلمة المصروف رأت صندوقها فارغًا، فحارت بأمرها وأعلمت رئيستها بذلك، وهذه بدورها عرفت أنّه لم يبقَ إلّا تسعة أيّام لموعد الدفع، فعزمت إذ ذاك على عمل تساعيّة للقديس يوسف البتول، خازن العائلة السماويّة، وعليه يُمكننا أن نتصوّر بأيّ حرارة قلب كانت هؤلاء الراهبات يصلّين التساعيّة، طالبات مساعدة القدّيس يوسف البتول، وأتى الدائن يوم الإستحقاق وطلب دينه، فٱستمهلته الراهبة الوكيلة إلى ما بعد الظهر، وهي تجهل من أين لها الدراهم المطلوبة، وإذا بمجهول قد حضر إلى باب الدير ودفع لها القيمة المطلوبة، وبهذه العمليّة تحقّق إيمان سكّان الدير وتضاعفت أمانيهم بالقدّيس يوسف البتول.

إكرام

لا تدع يومًا يمرّ عليك بدون أن تستدعي القدّيس يوسف البتول لمعونتك.

نافذة

يا مار يوسف البتول، مثال التسليم إلى العناية الإلهيّة، تضرّع لأجلنا.

 

اليوم الرابع عشر

القدّيس يوسف البتول مثال السلام الباطني

إنّ أسمى هبة يوليها الله عزّ وجل من يحسن إتّكاله عليه، هي السلام الباطني. وهذه الهبة لعمر الحق هي أعظم سلوى وأسمى عطيّة للمسيحيّين في دار الأحزان هذه، ولا يستطيع العالم مهما ٱجتهد أن يقوى عليهم ويُخضعهم إلى إرادته. وهذا السلام تركه المخلّص ميراثًا لتابعيه بشخص رسله الكرام، قائلًا لهم (سلامي أتركه لكم، سلامي أُعطيكم) وهو السلوى الوحيدة واللذّة العظيمة لإتّباع ملك السلام في وادي الدموع.
ولا ريب أنّ قلب القديس يوسف البتول كان يتلذّذ أبدًا بالسلام السماوي، الذي كان متلألئًا على جبينه الوضّاح وظاهرًا في جميع حركاته وسكناته بأجلى مظاهره، يُشرك فيه كلّ من دنا منه وحادثه، ولم تقوَ أكبر الشدائد وأعظم المِحن أن تكدّر صفاء عيشه وطمأنينة ضميره، حتى في أحرج المواقف، فعندما ظهرت له حال عروسه الطاهرة، ولمّا رأى ذاته مضطرًّا أن يسافر إلى بيت لحم ٱمتثالًا لأمر أغسطوس قيصر، وعندما أمره الملاك أن يذهب إلى مصر فرارًا من وجه هيرودس، بقي السلام ملازمًا نفسه، والطمأنينة سائدة حياته.

فيا أيّتها النفوس العابدة، إعلمي أنّ هذا السلام هو عزاؤك الوحيد إبّان شدائدك وأثناء أعمالك المسيحيّة، وهو ما تتطلّبه إرادة ربّك، ملك السلام.

إنّ السلام الباطني يُنعش النفوس الحزينة، كما يُنعش نسيم الصباح عليلًا قضى ليلته يتقلّب على فراش ٱلآلام، ويُطمْئِن النفوس القلقة، كما يطمئنّ بزوغ الفجر ربّان سفينةٍ تاه في عباب بحرٍ زاخر، وسط ليلٍ دامس.
فٱمنح اللهم، قلوبنا المضطربة هذا السلام الذي لا يقدر العالم على إعطائه، لأنّه علامة رضاك علينا، وٱطلب لنا أيّها القدّيس يوسف البتول من الطفل الإلهي ذلك السلام الذي متّعك به في حياتك، وظهر على محيّاك وقت المحن التي ألمّت بك، وٱضرع إليه أيّها الشفيع الجليل ألّا يحرم منه أحدًا بشفاعتك المستجابة.

خبر

دُعيَ أحد الكهنة إلى مساعدة مريض مدنف قال: (دخلتُ إلى غرفة المريض، فرأيت أبا عائلة كبيرة مشرفًا على الموت، وشعرت برائحة ذكيّة تفوح من حواليه، وعلى وجهه علامات الهدوء والسلام، رغم شدّة وطأة مرضه، فقال له الكاهن: (فليكن الربّ معك، وأظنّ أنّك كنت تحضر عظاتي) ، فضحك المريض وقال: (أنت عند ظنّك، وأنا عرفتك، عندما كنت تعظ مرّة عن عظمة القدّيس يوسف البتول، فرسخ كلامك في عقلي)، فسأله الكاهن: (هل تحتمل أوجاعك بفرح؟) _ (نعم، يا أبتِ لا بل أعظم فرح، وذلك بمساعدة محاميّ القدّيس يوسف البتول، إنّها لنعمة عظيمة با أبتِ) _ (وكيف ٱستحققت هذه النعمة؟) _ (أنا، حضرة الأب لم أستحقّها بل القدّيس يوسف البتول ٱستحقّها لي، وإنّي أرجو من شفيعي أن يجعل محنتي هذه تكون الأخيرة) فتقدّم الكاهن منه وقال له إنّي أسألك عندما تصل إلى قرب القدّيس يوسف البتول، أن تطلب لي شفاعته)، فٱبتسم المنازع وقال: (إنّي أعدك بذلك، وأطلب من كلّ قلبي إلى كلّ من يريد أن يموت ميتة صالحة أن يتعبّد للقديس يوسف البتول).

إكرام

واظب على سماع كلمة الله، ولا سيما في شهر مار يوسف البتول.

نافذة

يا مار يوسف البتول مثال السلام، صلّ لاجلنا.

 

اليوم الخامس عشر

القدّيس يوسف البتول مثال الوداعة والاتّضاع

لا جدال أنّ أمارات السلام الباطني تظهر بأبهى مجاليها على محيّا الإنسان العابد، وتتّسم في جميع أعماله وأحاديثه وحركاته وسكناته وذلك بدعته وتواضعه، هاتين الفضيلتين اللتين هما راية القدّيسين وشعارهم، وقد ظهرت هذه الأمارات بنوع خاص على القدّيس يوسف البتول. 

وكما أنّ الساعة الجيّدة تُعرف من سيرها ٱلمنتظم وقرع ناقوسها في الأوقات المعيّنة، هكذا الحركات الحسنة، والأقوال الجيّدة، والأعمال الصالحة تدلّ على حسن باطن الإنسان، وفرح قلبه، وسلامة نيّته، ونقاوة أفكاره، وسيره بموجب شريعة الله، والتسليم إلى عنايته ٱلصمدانية. وجميع هذه الصفات تظهر من كيفيّة تصرّفه مع قريبه بوداعة وطول أناة، وبالغيرة على خلاص نفسه، وإبعاد خطر ٱلهلاك عنها، وعمل أعمال الرحمة مع الجميع على السواء، تلبية لأوامر السيد المسيح القائل: (تعلّموا منّي إنّي وديع ومتواضع القلب).

والتواضع يجعل صاحبه يتسلّط على القلوب الأكثر صلابةً وتشامخًا، لو فرضنا أنّ الغيرة على إرشاد إنسان متصلّب برأيه، عاتٍ متشامخ، فإنّ المتواضع يستطيع بتواضعه أن يسحق قلب المتشامخ العاتي، ويخلّص نفسه من مخالب الموت الأبدي، ويصيّره حملًا بعد أن كان ذئبًا خاطفًا، ووديعًا بعد أن كان فظّ الطباع، ومتواضعًا بعد أن كان متكبرًا، فمن خلا قلبه من الشعائر الدينيّة لا يؤثر فيه التهديد والوعيد، بل تفعل فيه وداعة الحمل أكثر من بطش الأسد.

فيا أيّها القديس يوسف البتول المعظّم، إستمدّ لنا من الله فضيلة التواضع التي ٱتّصفت بها في هذا العالم، لقد كان العالم يجهل سموّ هذه الفضيلة، إذ كان يعتقد أن العظمة لا تقوم إلّا بقهر العدو وفتح المدن، غير عالم أنّ من ينتصر على ذاته يكون أقوى من الغزاة القاهرين.
فٱطلب لنا أيّها القديس الوديع هذه الفضيلة الشريفة السامية، وٱجعلنا نعرف شرفها وعظمتها، لنستعملها حقّ الإستعمال، نيلًا للعظمة الحقيقيّة في العالم الآخر.

خبر

كان أحد الشبّان شرس الأخلاق، عسر المعشر، وقد عمل أبواه جميع الوسائط لردعه وتغيير عوائده فلم يفلحوا، فضاقت بهم الحيلة، حيث لا هم ولا إخوته عاد يمكنهم السكن معه، فذات يوم دخل بيتهم أحد الآباء، ورأى الأب حزينًا، والأم تبكي والإخوة ينتحبون، فسأل عن سبب كدر تلك العائلة، فأخبروه، فقال لهم: (صلّو معي إلى القدّيس يوسف البتول) ففعلوا بنصيحته، وبعد برهة حضر ذلك الولد الى البيت، فٱستدعاه الكاهن وخاطبه بلطف وحنان أبوي قائلاً له: (إنّك أصبحت ثقلًا على والديك وسبب حزن لإخوتك فلماذا لا تغيّر تصرّفك)، فأجابه الشاب: (إنّ هذا طبعي، يا أبي، وأنا ذاتي أشعر بسوء حالتي لكن لا أقدر أن أغيّر عادتي)، فقال له الكاهن: (لا تقل لا أقدر، بل قل لا أريد فأنا ووالداك قد صلّينا لأجلك إلى القدّيس يوسف البتول وطلبنا لك منه النعمة)، فللحال هطلت الدموع من عيني الشاب، وقال للكاهن: (إنّي أعدك يا أبتِ بأن أكون من الآن وصاعدًا خلاف ما كنت في الماضي)، فشكر الكاهن فضل القدّيس يوسف البتول الذي ٱستجاب صلواته في الحال، وخرج ودموع الفرح تنهمر من مقلتيه.

إكرام

إقتدِ بوداعة القدّيس يوسف البتول وهذّب طباعك الفظّة.

نافذة

يا مار يوسف البتول، مثال الوداعة، صلّ لأجلنا.

 

اليوم السادس عشر 
القدّيس يوسف البتول مثال السخاء الحقيقي

إنّ مستوى الكمال هو طلب الله في كلّ شيء، وإنكار الذات في كلّ أمر، وبوجيز العبارة هو الهرب من المحبّة الذاتيّة، بحيث لا يطلب الانسان المجد الباطل في أعماله، بل يعملها لمجد الله الأعظم في سبيل منفعة القريب.

هذا هو أساس الحياة المسيحيّة، ومبدأ الحياة الروحيّة، فمن توصّل إلى أن لا يطلب شيئًا في جميع أعماله، حتى ولا التعزية، يكون قد ٱرتقى إلى درجة سامية في الكمال الروحي، لا يبلغها إلّا الكاملون، ويجب على المسيحيّين أن يتوخّوها ويسعوا إلى نيلها يومًا فيومًا، وعلى الاقلّ، عليهم أن يتقرّبوا منها، إذ هي أقوى برهان على أنّ غاية عملهم هي مجد الله فقط، دون سواه. 
ولا يخفى أنّ المُحبّ الحقيقي يؤثر محبوبه على نفسه، ويبذل ذاته في سبيل خير حبيبه، كما قال السيّد المسيح: (ليس من حبٍّ أعظم من هذا وهو أن يبذل الإنسان نفسه عن احبائه).
والمسيحي الكامل لا يحبّ السعادة السماويّة إلّا ٱبتغاءً لمجدِ الله، ويرفضها لو لاح له أنّه برفضه إيّاها ينجم خلاص الآخرين وزيادة مجدِ الله، ولنا أعظم شاهد على ذلك ألقدّيس بولس إذ كان يقول: (إنّني أفضّل أن أكون محرومًا لأجل إخوتي)، فكان يفضّل تضحية نفسه وحرمانها من السعادة الأبديّة، التي كان يستحقّها بكلّ عدلٍ حبًّا لخلاص الآخرين.
آه كم كانت تضحية القدّيس يوسف البتول عظيمة، وتجرّده من المجد الباطل ساميًا، لم يرغب قط في أمرٍ لأجل خير نفسه، أو لأجل منفعته الذاتيّة، بل كانت جُلّ رغبته إرضاء يسوع وأمّه اللذين كان يفاخر بكونه خادمًا لهما، رَغِبَ في أن يكون نسيًّا منسياً أمام الشعب المسيحي، وأن لا يُكرِّم أحد قداسته، ليتفرّغ الجميع إلى عبادة يسوع وأمّه، ولم يَدَعْ التعبّد له إلّا في الأجيال المتأخّرة: فإنّ الله الذي يرفع المتواضعين ويقاوم المتّكلين، لم يشأ أن يبقى أبوه بالتربية نسيًّا منسيًّا، فيجعل ٱتّضاعه وعدم رغبته في ظهور فضله وقداسته سببين لزيادة مجده وإكرامه.

فيا أيّها القدّيس السخيّ، علّمنا فضيلة ٱلغيرة، وأبعد عنّا الأنانيّة، أرشدنا إلى فضيلة التجرّد عن محبّة الذات التي لا يعرفها سوى القليلين من محبّي يسوع. ما أكثر الذين يحبّون يسوع وهو على طور التجلّي، وما أقلّ الذين يحبّونه وهو على جبل الجلجلة، كما قال صاحب الاقتداء (إنّ شركاء المائدة كثيرون، أمّا شركاء الصليب قليلون). 
لقد أمست هذه الفضيلة، أيّها القدّيس يوسف البتول، في أيّامنا مجهولة للغاية، فٱستمدّ لنا من العلاء نعمة رفض الذات، وٱجعلنا نطلب مجد الله وخير القريب في كلّ أعمالنا، لنتّخذ لنا في كلّ حركاتنا وسكناتنا هذا الشعار (لمجدِ الله الأعظم).

خبر

نهار أربعاء الرماد الساعة الثالثة بعد الظهر وقف فقير طاعن في السنّ على أحد الأبواب في مدينة إشبيلية، وسأل صاحبة البيت أن تعطيه حسنة لوجه الله، فشعرت تلك السيّدة بعطف وحنان نحو ذلك المسكين، وسألته إذا كان يريد شيئًا من الطعام، فأجابها بالإيجاب، فأرسلت إليه مع الخادمة ما كان باقيًا من الطعام، فجلس يأكل، ورجعت الخادمة تقول للسيّدة: (إنزلي وٱنظري هذا الفقير، كأنّه أحد آباء العهد القديم)، فنزلت مع طفليها ونظرت شيخًا جليلًا مهيبًا، فقالت له: (تعال يوميًّا فتُعطى)، فأجابها بكلّ إحشام (لا بل يا سيّدتي أَعطِي إحسانكِ لمن يطرق بابكِ أوّلًا)، ثمّ رسم إشارة الصليب على الإناء وٱستدعى السيّدة وقال: (إنّي أسأل الله أن يبارك هذا البيت، ويحفظ زوجك، وأولادك من كلّ مضرّة ومتى أُصيب أحد من عائلتك بمرض أَعطيه الدواء بهذا الإناء). وبعد ثمانية أيّام أُصيب ولدها بمرض عضال فلم تَرِدْ أن تُعطيه بالإناء خوفًا من أن يكون ذلك خرافة منها، أمّا شقيقتها فلم تعبأ بذلك، بل وضعت الدواء في الإناء وأعطته للولد، فشُفِيَ للحال، وبعد برهة مَرِضَ زوجها وأشرف على الموت فحسبت ذلك قصاصًا على الخرافة التي ٱستعملتها مع الولد، فبَكَتْ وجَثَتْ أمام أيقونة مار يوسف البتول، وقالت: (يا شفيعي إرحمني يا ليت لم يأتِ ذلك الفقير إلى بيتي)، وإذ بصوتٍ يصرخ على الباب قائلًا: (حَسَنَة لوجهِ الله)، فركض الأولاد ورجعوا يقولون لأمّهم: (أتى الفقير الشيخ)، فأسرعت السيّدة وإذا بالشيخ الجليل واقف فسألته: (أَلسْتَ أنت الذي أتى يوم أربعاء الرماد وأشار عليّ بتلك الخرافة؟)، أجابها: (نعم، أنا هو، لكن ليس هناك خرافة فٱستعملي الإناء كما قلتُ لكِ وبواسطته يفعل معكِ القدّيس يوسف البتول العجائب)، وتوارى، حينئذٍ قدّمَت الدواء لزوجها بالإناء فشُفيَ حالًا.

إكرام

أعطِ كلّ فقيرٍ يقرع بابك ولو قليلًا، لكن أَعطِه بفرح، لأنّ (الله يحبّ المعطي الفرحان).

نافذة

يا مار يوسف البتول، مثال السخاء، تضرّع لأجلنا.

 

اليوم السابع عشر

القدّيس يوسف البتول مثال الفقراء والمعوزين

لقد فرض المولى الشغل على الإنسان، تحصيلًا لمعاشه في طريق هذه الحياة الزمنيّة، إذ قال له: (بعرق وجهك تأكل خبزك)، وشاء أن يجد أنّا تعزية في محيط الأشغال التي نتمّمها، بمثال القدّيسين عمومًا والقدّيس يوسف البتول خصوصًا. 
لا شكّ أنّ من يحصل على معاشه بكدّ يمينه، وعرق جبينه يقاسي أتعابًا جمّة ويعاني أوجاعًا كثيرة، ولا سيّما عندما يعاين ذاته في حاجة الى القوت الضروري وحوله صبية صغار يتضوّرون جوعًا، ولا طاقة له أن يسدّ حاجاتهم، ويكفكف دموعهم السخيّة. وقد كان يودّ مشاهدتهم مسرورين، يبشّون بوجهه، ولا حاجة لهم إلى شيء، فيخفّفون بذلك عنه عناء الحياة.
آه ما أشدّ مرارة قلب العامل عندما تُسدّ بوجهه أبواب العمل وتنقطع عنه موارد الرزق، ولا سيّما إذا كان أحد أفراد عائلته مصابًا بمرض عضال، فإنّ أحشاءه إذ ذاك تتمزّق، وقلبه يتفطّر، ويكون في أمسّ الحاجة إلى فضيلة عظمى، لئلّا يستسلم إلى يأس القتال، وعلى كلّ ذي شعور أن يرحم ذلك الفقير ويُشفق على تلك الوالدة المسكينة، أو الشابّة التي لا سند لها، وذلك بمدّ يد المساعدة إليهم وسدّ حاجاتهم، وتطييب قلوبهم بكلمات التعزية، لترجع إليهم قوّة رجائهم، لئلّا يغتنم الشيطان هذه الفرصة السانحة، ويقطع عن أولئك المساكين سلاسل خلاصهم الأبدي. 
ويجب على الفقراء خصوصًا، أن يضعوا نُصب أعينهم القدّيس يوسف البتول الفقير، مثال الفقراء وتعزيتهم ومساعدتهم، أكثر من جميع القدّيسين، لأنّه ٱختبر حقّ الإختبار ما هو الفقر، ولهذا فهو يحنو على الفقراء لأنّه كان منهم، بأكل خبزه مجبولًا بعرق جبينه، ولَئِنْ تصدّق عليه أحد في ديار هجرته، فكان يأكل خبزه، والحالة هذه مغموسًا بدموعه المنحدرة على وجنتيه، ولقد طرق هذا القدّيس الفقير أبواب بيت لحم بابًا بابًا، طالبًا المأوى فلم يجد فٱضطرّ إذ ذاك أن يأوي إلى مذود البقر، حيث وجد مأوى له ولخطّيبته في أعسر الحالات. 
فأحبّوا، أيّها الفقراء، القدّيس يوسف البتول، وتعبّدوا له، إتّخذوه لكم مثالًا وضعوه أبدًا نصب أعينكم، وٱستعينوا به خلال ضيقاتكم، تتحقّقوا قوّة شفاعته وسرعة نجدته.

خبر

أخبرَ القدّيس منصور فيرار عن أحد أبناء وطنه الأتقياء من فالنسيا، بأنّه كان كلّ سنة في عيد الميلاد، يصنع وليمة لثلاثة أشخاص فقراء: لشيخ جليل، وٱمرأة، وولد صغير، إكرامًا ليوسف البتول ومريم ويسوع، إعتقادًا منه أنّ كلّ ما يصنع مع الفقراء يكون دينًا لله، يستوفيه يوم الدين، وأنّ الطعام الذي يقدّمه لهؤلاء الفقراء إنّما يقدّمه ليوسف البتول ومريم ويسوع، وحقًّا أنّ هذا العمل الصالح نال له حسن مكافأة، لأنّه ظهر بعد موته لأشخاص كانوا يصلّون من أجل راحة نفسه، وأخبرهم بأنّه قد حضر لديه عند ساعة موته، يسوع ومريم ومار يوسف البتول، وقالوا له: (أنت الذي أضفتنا مرارًا في بيتك، أتينا الآن نأخذك لتكون ضيفنا في السعادة)، فما أعظمها حكمةً، أن يذخر الإنسان لنفسه كنزًا في السماء لا يُنزع منه، حيث لا يصل سارق ولا يُفسد سوس.

إكرام

أَعطِ اليوم صدقة لثلاثة فقراء، إكرامًا ليسوع ومريم ومار يوسف البتول.

نافذة

يا مار يوسف البتول، مثال الفقراء، صلّ لأجلنا.

 

اليوم الثامن عشر
تأمّل في عشيّة عيد القدّيس يوسف البتول

لنطرب ونفرح ولنهيّء لعيد سعيد. لقد أقبل علينا عيد أبينا المحبوب وشفيعنا المجيد. إنّ الكنيسة المقدّسة تحرّضنا على الإحتفال بهذا العيد إحتفالًا شائقًا. وفي ذلك واجب الحبّ البنوي وحاجة القلب المتعبّد. فلنستعدّ لهذا الموسم الوسيم، ولنعطين المجال الواسع لحاسّياتنا الشريفة نحو هذا القدّيس الرفيع المقام، وليكن إكرامنا لائقًا بسموّه، وحُبّنا مساويًا لإحسانه، وثقتنا عظيمة بقدرته. لنجتمع حوله كأعزّ العائلات حول أحنّ الآباء ولنقدّم له التهاني اللائقة بأفضل الشفعاء. ما أحلى عيد الأب على قلوب الأولاد الصالحين. على أنّ الجميع ينظرون الى مار يوسف البتول نظرهم الى أب حنون شفوق. ما أعزّ هذا اللقب عليه وما أجمله به. إنّ مريم خطّيبته هي أمّنا ويسوع إبنه هو أخونا. إذن نحن من عائلته، نحن أولاده وقد حصلنا على هذا الشرف في عمادنا وبقوّة إيماننا، وهو لنا موضوع فخر وتعزية وتقوية. فعندما يتّفق الأبناء البررة على الإحتفال بعيد أبيهم، يجمعون حاسّيات قلبهم كباقة ورود عطرة يقدمونها له وعلائم الإرتعاش باديةً على محياهم وعبارات الحب والشكران تسيل من أفواههم سيلًا وكلّهم لسان واحد وهم ينطقون بأفضاله ومناقبه الفريدة ويُعبّرون عمّا في قلبهم من الشكر العظيم نحوه، ويستمطرون على هامته شآبيب المواهب السماوية، ويعدونه بأن يكونوا عند حسن ظنّه، بسيرتهم الصالحة وحبّهم وطاعتهم وإحترامهم لشخصه المحبوب. فبهذه الشواعر يجب علينا أن نُعيّد أبانا الجليل فنهنّئه أوّلًا بالمنصب السامي الذي ناله وبالفضائل الفريدة التي ٱزدانَ بها وبالإستحقاقات التي حصل عليها. فلنشحذ قريحتنا ولنتسابق في مضمار المدح والتقريظ لأنّه واسع فسيح الأرجاء ليس للسان بشري أن يقيسه ولا لقلم أن يحصره! إذ هل وُجد وليّ أو نبيّ أو صدّيق أو قدّيس فاز بما فاز به القدّيس يوسف البتول؟ نعم لتهتزّ جوارحنا طربًا آيات شكرٍ عميم للعزّة الصمدانيّة التي أجزلت عطاءها بلا كيل لهذا القدّيس الذي نفتخر بأن نُدعى أبناءه. وبعد تقديم فروض المدح والتقريظ علينا أن نقدّم له ثانيًا عبارات الشكر على ما مَنّ به علينا الله تعالى من نِعم غزيرة بشفاعته. وأكبر نعمة هي حصولنا بواسطته على يسوع ومريم اللذين عُهدا الى عنايته. فسَهِرَ عليهما سهره على حدقة عينه حبًّا بخلاصنا. فلنقرن صوتنا بأصوات المؤمنين في العالم أجمع ولننثر على هامته أزهار حبّنا وأوراد شكرنا على مآتيه العديدة. لنعبّر له ثالثّا عن شوقنا الحار الى تمجيده ونشر عبادته، إذ لا شيئ أعذب على قلب الأبناء الصالحين من أن يروا أباهم موضوع حفاوة وإكرام الجميع ومُبجّلًا من الجميع. فهل يليق بنا أن نحتفل بعيد أبينا العزيز ما لم نُعبٌر له عن أمنية قلبنا البنوي هذه وهي أن نتمنّى له كلّ المجد الممكن في السماء وعلى الارض؟ رابعًا وأخيرًا لنجمع مواعيدنا الصادقة كباقة زهور فيّاحة ولنلقها على أقدامه، مجدّدين عزمنا على أن نحبّه محبّة بنويّة خالصة ونلتجئ إليه في كلّ ضيقاتنا ونسعى جهدنا لٱجتذاب القلوب إليه ونشر عبادته بين العائلات المسيحيّة ونُكرّم صورهُ ونقتني الكتب التي تبحث عن مزاياه وسجاياه ونتمسّك بالممارسات التقويّة لإكرامه. أجل كم من رغبات وطلبات وكم من أمانٍ وصلوات تصعدُ غدًا إلى عرش مار يوسف البتول الرقيق القلب والسريع الإجابة. لنستعدّ لٱستقبال بزوغ شمس الغد بوجوه تطفح بُشرًا ونورًا، و ثغور تفتر جَذلًا وحُبورًا، وقلوب تخفق بهجةً وسرورًا متّحدين بالعالم الكاثوليكي الذي يهتزّ غدًا من أقصاه الى أقصاه، فخورًا بيوسف البتول القدّيس المحبوب. ففي أعظم كنائس العالم وأصغرها، يُمدَح غدًا يوسف البتول ويُعظّم. ويَنقل الأثير صدى تهاليل بني البشر وتسابيحهم ليَضمّها الى التهاليل والتسابيح التي تُقدّم له في السماء! فالطوبى لنا إذا كنّا غدًا من السابقين.

خبر

إنّ صلوات الأم مُستجابة لا محالة، ففي سنة 1870 سافر شاب من عائلة تقيّة إلى ساحة الحرب، فودّعته أمّه بدموع حرّى ووضعته تحت حماية مار يوسف البتول شفيع العائلات. وساقها حبّها الوالدي إلى أن تقدّم لله حياتها على أن يَخلُص أبنها. فلم يخذل مار يوسف البتول طلبتها بل سهر على الشاب وبعد ٱقتحام أخطار وأتعاب شتّى أعاده الى أمّه في الـ 18 من شهر آذار ليلة عيدهُ. وبعد أيّام أُصيب الشاب بداء الجدري وعجز نطس الأطبّاء عن شفائه. وكانت أمّه تكلأه حنوّها الوالدي. وهي جزعة على حياة إبنها، جدّدت نذرها مُقدّمة حياتها عوض ولدها فأستجابها الله و شُفيَ الشاب من مرضه بعد أن أصُيبت أمه بالداء نفسه. وبعد أيّام قلائل غادرت هذه الحياة ضحية لحنوّها وتفاديها. فحقًّا قِيل أنّ قلب الأم هو أُعجوبة صنع الله.

إكرام

إقصِدْ أن تحتفل غدًا بعيد مار يوسف البتول بصلوات حارّة وبتناول صالح وبالتصدّق على الفقراء إكرامًا لمار يوسف البتول وبتخصيص ذاتك لخدمته ونشر عبادته.

صلاة

أيّتها العائلة المقدسة يا عائلة الناصرة الجليلة، إسهري على العائلات المسيحيّة وأبعدي عنها كل ضرر و أذى، إحرسي عائلتي وٱجعليها على مثالك أن تعيش مرتبطة برباط الحبّ والإحترام المتبادلة. إجعلي أن يكون أفراد الأُسَر متّحدًا بعضها ببعض على حبّ المسيح وأن لا ينفصل بعضها عن بعض لا في الدنيا ولا في الآخرة حيث يجتمعون ليسبّحوا الله ويشكروه على نعمه إلى أبد الآبدين آمين.

 

اليوم التاسع عشر 
القدّيس يوسف البتول تعزية المُبتَلين

لا مراء أنّ ٱضطهاد إبليس والشهوات النفسيّة، التي يسمّيها الآباء الروحيّون تجارب، هي أصعب من الإضطهاد الخارجي، وقد طوّب الربّ المجرَّبين، مثل المضطهَدين والفقراء، فقال بلسان يعقوب الرسول: (طوبى للرّجل الذي يصبر على التجربة، لأنّه إذا زُكّي ينال إكليل الحياة الذي به يُجازي الله الذين يحبّونه).
إنّ القدّيس يوسف البتول قد تجرّب مثل سائر خدّام الله الأتقياء، وٱحتمل التجربة بصبر ولا غرابة في تجربته مع سموّ قداسته، لأنّ ٱبن الله ذاته سمح لإبليس أن يجرّبه ثلاث مرّات في البريّة، لقد تجرّب هذا البطريرك الجليل تجربة صعبة جدًّا وذلك عندما رأى خطّيبته في حالة مربية، وهو يجهل السرّ العجيب، فصمّم بعد إعمال الفكرة على الهرب، محافظة على كرامتها، بيد أنّ ملاك الرب ظهر له في الحلم، وأعاد إليه سكينته بكلمة واحدة، وعزّاه بقوله له أنّه سيكون أبًا لإبن الله)
وأخبره عن الإسم الذي عليه أن يدعوه به، فهكذا يُعزّي الله خائفيه عندما يسمح بتجربتهم، تمحيصًا لإيمانهم وزيادة لأجرهم، فالله أمين، لا يسمح بأن يتجرّب أحد فوق طاقته، بل قبل أن يسمح بالتجربة، يُرسل القوّة والنعمة الضروريّة إلى المتجرّبين، كي يتحمّلوا تجربتهم بالصبر، ويكتسبوا زيادة الثواب. 
فيا أيّتها النفوس الحزينة من جرّاء الحرب الداخلية التي تخوضين غمارها، ويا أيّتها القلوب القلقة والمضطربة، لا تجزعي ولا تخشي هذه المعارك مهما ظهرت شديدة، عنيفة، لأنّ الله ناظر إليك كيف تحاربين، وهو يجزيك قدر ما تستحقّين، ويمدّك في ذا الوقت المناسب بالعضد والقوة، ليتسنّى لك مقاومة أعدائك، وتخرجي من المعارك التي تخوضينها ظافرة، غانمة، وٱعلمي أنّ ساعة واحدة في التجربة تنيلك غالبًا جزاءً أوفر ممّا لو بقيتِ سنة كاملة ساكنة، مطمئنّة، فإنّ الجندي يكتسب وسام الشرف في ساحة الحرب، لا بٱستراحته في المعسكر، وهكذا يشاء الله أنّ بنيلك بالتجربة ما لا تحصلين عليه بالطمأنينة والهدوء. 
فيا أيّها القدّيس يوسف البتول، أنظر من علوّ السماء إلى الأنفس المجرَّبة، وٱمنحها أن تكون شديدة الثّقة بإيمانها بمواعيد الله، لتثبت راسخة القدم فوق أمواج التجارب المتراكمة عليها.

خبر

أخبر الأب يواكيم عن مِيتة أحد الشرفاء، وكان شاهدًا عيانًا، على ذلك، بأنّ هذا الرجل كان متعبّدًا للقدّيس يوسف البتول، وأنّ ساعات حياته الأخيرة كانت حسب روح الرب، ففي مدّة مرضه الأخير الذي دام سنتين، قاسى أشدّ الآلام دون أدنى تذمّر أو تمرمر، وإذ عرف بدنوّ أجله، وٱستدعى مُعرِّفه، فأعلمه الأب بقُرب عيد مار يوسف البتول شفيعه وتمنّى له بأن يبقى حيًّا ليُعيّد هذا العيد، فأجابه المريض: (لتكن إرادة الله، يا أبتِ لا إرادتي ولا إرادة عائلتي، إنّما أسأل الله أن يُسعدَني بتناول القربان ذلك النهار السعيد للمرّة الأخيرة)، وكان يقول ذلك برجاء عظيم، مع أن حياته كانت تلاشت، وكان باقيًا تسعة أيّام لعيد مار يوسف البتول، ومع ذلك، قد نال ما تمنّاه رغم إنذارات الأطبّاء، فليلة العيد، دعا أفراد العائلة، فركعوا حول سريره، فباركهم. والساعة الثانية بعد نصف الليل، ناوله الكاهن القربان المقدّس، والساعة التاسعة من نهار العيد فارق هذه الحياة بكل سلام وسكينة، تاركًا مثالًا صالحًا للمؤمنين بحسن سيرته وبرجائه العظيم بشفيعه القدّيس يوسف البتول.

إكرام

إحتمل آلامك وتجاربك بصبر، متذكّرًا ما ٱحتمله القدّيس يوسف البتول.

نافذة

يا مار يوسف البتول تعزية المُبتلين، صلّ لأجلنا.

 

الیوم العشرون

القديس يوسف البتول تعزية المخذولین

لا ريب ان تلويث الصیت واختلاق التهمات الباطلة يحاكیان اشواكاً حادة تدمي قلب الانسان، كثیراً ما يكون الموت الادبي امر من الموت الطبیعي، اذ لاشيء يحزن القلب مثل فقدان السمعة الطیبة، وقلة الاعتبار، ونظرة الاحتقار وعدم الاكتراث.
وھذا الامر يكون غالباً الجزاء الذي يجازي به العالم خدام، وقد جوزيّ به السید المسیح نفسه، ألم يُرّ مهاناً من قبل خاصته، وقد اتى لأجلهم؟ اولم يتلق الجحود، حتى من الذين صنع معهم الخیر؟ لیت شعري، اي عار اكبر من ان يعامل الشريف معاملة لص، بل من يفضل اللص علیه؟ ھكذا عاملالعالم ملك المجد الذي تأنس، تاركاً عرشه وكرامته، لأجل خلاص البشر، فانهم لم يقتصروا على احتقاره واھانته، بل آثروا علیه لصاً سفاحاً، عندماطلبوا من بیلاطس ان يطلق باراباس بدلاً من المسیح البار.
وقد تجرع القديس يوسف البتول ھذه الكأس العلقمیة من الذل والهوان حتى الثمالة، وعلیه فیمكن للمتهمین والمرذولین ان يتخذوه قدوة وتعزية لهم،فانظروا الیه ايها المتهمون في لیلة میلاد الطفل العجیب وھو يطوف شوارع بیت لحم يقرع الأبواب، طالباً مأوى لعروسه التي كانت تعاني آلامالمخاض، كثیرون من سكان تلك المدينة كانوا من اھله ومعارفه، بید انهم سدوا آذانهم عن تلبیه ندائه، ورفضوا طلبه، فاضطر ان يذھب إلى مغارةالحیوانات، تصوروا ما اعمق احزانه، وما امر تحسراته عندما يعاين كل الأبواب مقفلة في وجهه، حتى ابواب المنازل والفنادق التي كان يأوي الیها كلغريب، تأملوا كیف احمرّ وجهه خجلاً وحیاء، لما شاھد غبار السفر الطويل وثیابه البسیطة تجعل الناس، حتى اقاربه يتناسون شرف اصله، وھو من
نسل داود ويخیبون طلبه.
لعمري، ان ھذا الانخذال الذي الّم به قد احزنه اكثر من حالته الفقرية، لأنه كان يحتاج انذاك إلى الأكل والشرب ولوازم الطفل الإلهي، على انه بقي
وطید الايمان ثابت القلب.
فیا ايها الشیخ المبارك، انت تعرف حق المعرفة الحسرات والاحزان التي تلم برجل شريف الاصل حمید المزايا قد جاز علیه الدھر، وحلت به صروفالمحن، فاستمد له من نعمة، لیقابل ھذه البلايا كما يجب، حاسباً إياھا مرسلة من لدن، وأسأل للمتهمین والمرذولین بدلاً من اھانة العالم،السعادة الحقیقیة، كي تتحول محنهم إلى سعف نخل واكلّة مجد.

خبر
كان احد الشبان رئیس فرقة من المشاة في الجیش، وكان يرغب كثیراً ان يصیر قائداً، ولكن عند الامتحان ظهرت عدم كفاءته، اذ لم ينل العلاماتالمطلوبة، فعاد خائباً، مخذولاً، قاصداً عدم التقدم مرة ثانیة إلى الامتحان. ولكن لحسن حظه كان له شقیقة راھبة تقیة، فاضلة، فلما علمت بفشل شقیقها وقنوطه، كتبت الیه وارسلت له ضمن الكتابة ايقونة القديس يوسف البتول، وشجعته على ان يضعها في عنقه، مؤكدة له بأنه يفوز بغايته بواسطةھذا القديس، فعمل الشاب بمشورة شقیقته، وعاد إلى تقديم الامتحان وما كان اعظم سرورھا، اذ رأته لیس فقط فائزاً بامتحانه، بل متفوقاً علىجمیع أقرانه.

اكرام

قدم دروسك اكراما للقديس يوسف البتول، وضع ذاتك تحت حمايته.

نافذة

يا مار يوسف البتول، تعزية المخذولین صل لاجلنا

 

اليوم الحادي والعشرون 
القديس يوسف البتول عزاء المرضى

إنّ الجسد الضعيف هو مدعاة للأحزان ومتاعب الروح، وأعظم بليّة على المرء في هذه الدنيا، أن يكون عليلًا، مريضًا إذ يعدم كلّ لذّة، ويفقد كلّ حماس وفرح، ومن النادر وجود البشر الخالين من كلّ مرض، ومتى كان هذا الإناء الخزفي مُعرّضًا لمئات الأمراض، فالنفس تكون أبدًا حزينة، قلقة، مضطربة، وهدفًا لسهام الضجر والملل، وأحيانًا إذا لم تكن راسخة بالفضيلة، تتوصّل إلى الإنتحار بحجّة اليأس من الحياة، وعليه، يا من تسمع هذا التأمل، إعلم أنّك ستصاب يومًا بمرض، وسوف تتململ على فراشك من شدّة الألم، وتعرف حينئذٍ ما أشدّ وطأة يد الرب الذي يفتقدك بواسطة الداء، وتشعر أنّك تحتاج الى تعزية روحيّة، لأنّ التعزية البشرية ليست بكافية، لتجعلك تستحمل ألمك بصبر وتسليم تام إلى إرادة الله، فإلى من تلتجئ ساعتئذٍ، واثقًا أنّه يبادر إلى نجدتك، إلّا إلى القديس يوسف البتول؟ فإنّك إذا علّقتَ صورته فوق سريرك، ورفعت ألحاظك، نحوه مستغيثًا، مستنجدًا، تشعر بنور سماوي يحلّ عليك ويفعمك بهجةً وطمأنينة، لأنّ هيئة ذلك الشيخ الوقور البشوش تزيل عنك كل همّ، وتبدّد عنك كل عبوس وكآبة.
تذكّر أيّها المسيحي، أنّ كلّ المرضى، حتى الذين ليسوا على شيء من التقوى، يتمسّكون بالتعبّد لهذا الشيخ المبجّل، وقلّ من خاب أمله، ولم ينل بشفاعته التعزية المطلوبة.

فيا أيّها القديس المعظّم، ستراني يومًا بحالة تستدعي الإلتفات والشفقة، لهذا أدعوك منذ الآن وأملي وطيد بك لا تضنّ عليّ بالنجدة والمعونة.
أرجوك أن تُرسل إلى فراشي، في أيّام السوء وليالي الضّنك، حينما أُعدِم كلّ سلوى بشريّة حتى من أقرب الأقرباء وأعزّ الأصدقاء، أنوار تعزياتك السماوية فتنقشع بواسطتها عن نفسي الغيوم السود المخيّمة عليها، وتوليني نعمة العزاء والرجاء. أغرس منذ الآن في قلبي بغض العالم ومحبة السماء، وحبّب إليّ حمل الصليب، حتى عند خروجي من هذا العالم الحافل بالإزدراء، أُلاقي ربّي المنّان فأنسى أحزاني وشقائي.
نسألك أيّها القديس يوسف البتول المعظّم، تعزية المرضى وعضد المساكين، أن لا تنساهم، ولا تتغاضى عنهم، خصوصًا عند ساعتهم الأخيرة.

خبر

أُصيبت ماريا تريزيا من راهبات القديسة مريم، بمرض عضال قاست بسببه أوجاعًا مبرّحة، مدّة عشر سنوات، وأخيرًا، حصل لها إشتراكات بأمراض مختلفة، انتهى كل ذلك بشلل في كلّ اعضائها، وخلاصة القول أنّها شهيدة الأوجاع، أخيرًا بلغ مسامعها خبر أعجوبة باهرة بواسطة القديس يوسف البتول في البندقيّة، فعزمت أن تلتجئ إلى هذا الشفيع القدير، وعملت مع بعض رفيقاتها تساعيّة سبعة أسرار فرح وحزن مار يوسف البتول، وفي اليوم الثالث من التساعيّة، حدث لها نوبة قويّة أفقدتها الرشد، وبقيت نحوًا من ربع ساعة غائبة عن الحسّ بالكليّة، ولما أفاقت، توسّلت بدموع إلى أخواتها أن يرسلوا ويأتوها بقطعة من ثوب شخص مار يوسف البتول في البندقية، وعندما وضعتها في عنقها، شعرت بقوّةٍ، تحركها من جهة الى أخرى، ولم تعد تشعر بوجع، وسمعت صوتًا يقول لها قومي فقد شفيتِ، ويا لشدّة دهشتها وعظم سرورها، عندما قامت تمشي وتركض من جهة إلى أخرى، كأنها لم تكن مريضة، تترنّم بمدح القديس يوسف البتول، وتقصّ على السامعين خبر الأعجوبة.

إكرام

إحتمل أوجاعك بصبر، ملتجئًا إلى القديس يوسف البتول، عندما يستولي عليك الضجر

نافذة

يا مار يوسف البتول، تعزية المرضى، صلِّ لأجلنا

 

اليوم الثاني والعشرون
القديس يوسف البتول تعزية المنازعين

من الطبيعي أنّ الأمراض سوف تستنزف يومًا كلّ قوانا الطبيعيّة، ولا بدّ لنا من أن نسمع، ونحن على فراش الموت، هذا الكلام : (إنّ المريض قد عزّ شقاؤه، ولم يبق من أمل بحياته). فيتحوّل عندئذٍ المرض إلى نزاع، ويُمسي المريض منازعًا، وتكون دقائقه الأخيرة حربًا هائلة، لأنّ لفظة نزاع تعني حربًا، ولعمري، إنّ مفارقة النفس للجسد لمن أشدّ الحروب وأهولها، لأنّ الجسد يحارب، بكل قواه الآلام التي تنتابه، والنفس تحارب العدو الجهنّمي الذي يبذل قصارى جهده لإهلاكها، ويُمسي المنازع المسكين غير أمين لا من جهة العالم الذي تَندكّ أساسات رجائه به في تلك الساعة، ولا من جهة الأبديّة التي يجهل نصيبه منها كلّ الجهل.
ويرى ذاته محتاجًا، أكثر من أيّ وقت آخر، إ
لى من يمدّ إليه ساعده، ويقوّي رجاءه، ويكون له معزّيًا في تلك الشدة التي يهاجمه بها الموت، ولا يجد آنئذٍ إلّا الكنيسة وأسرارها وغفراناتها، والأتقياء الذين يرفعون صلواتهم وابتهالاتهم لأجله، والقديس يوسف البتول وشفاعته غير مردودة، في تلك المعركة الهائلة. 

إن القديس يوسف البتول هو المحامي الخصوصي عن المنازعين، لأنّ الحظ أسعده أن يرى عيانًا قرب فراشه، ساعة موته، سيّدتنا مريم العذراء ويدها الناعمة لتعطيه قليلًا من الماء، وكم كانت عذبة تلك النّظرات الأخيرة التي ألقاها القديس يوسف البتول على يسوع! وكم كانت لذيذة ألفاظ التشجيع التي استحقّها من فمه الإلهي. 
آه أنّى لنا أن تكون ساعاتنا الأخيرة مثل ساعاتك الأخيرة، أيّها القديس يوسف البتول! فتعالَ مع مريم خِطّيبتك والطفل يسوع، وحَلّوا مرارة نفسي بنور مراكم، وعذوبة ألفاظكم، وتسلّموا روحي جزاء عبادتي لكم في هذه الدنيا.
أيّها القديس يوسف البتول، شفيع المنازعين وتعزيتهم، أعضد وعزِّ نفس عبدك الأمين في ساعته الأخيرة، حين تحيق به الشدائد، ويكون في تلك الساعة بأمسّ الحاجة إلى مساعدتك العُلويّة.

خبر

إنّ العابد كسبار دي بونا من الأخوة الاصاغر كان ذا عبادة بنويّة حارّة نحو العذراء وخِطّيبها القديس يوسف البتول، وكان يتكلم عنهما ويعمل لأجل ازدياد مجدهما، وظهرت عليه هذه العلامات باستدعائه الدائم مريم ويسوع ويوسف البتول في كل عمل، فلم يكن يكتب او يتحدث إلّا بهذه الأسماء يسوع ومريم ويوسف البتول، خصوصًا عند ساعة موته، متيقّنًا أنّ كلّ نعمة تأتيه من أسماء الثالوث الأرضي، أي يسوع ومريم ويوسف البتول. وأوصى بأنّه عند احتضاره، لا يُتلى لأجله إلّا هذه النافذة: (يسوع ومريم ويوسف البتول)، وقد نال هذه النعمة، وهي أنّ آخر كلمة لفظها كانت (يسوع ومريم ويوسف البتول). وأسلم الروح.

إكرام

كرر في يومك هذه الأسماء الثلاثة عدّة مرّات، طالبًا نعمة الميتة الصالحة.

نافذة

يا مار يوسف البتول، تعزية المنازعين، تضرّع لأجلنا.

 

اليوم الثالث والعشرون

تأمُّل في القديس يوسف البتول شفيع الكنيسة المقدسة

قال أحد الملافنة: (ليس الله أبًا لمن ليست الكنيسة أمّه)، فإن كنّا أبناء الله فنحن إذن أبناء الكنيسة، ومن حيث هذا اللقب المجيد يترتّب علينا أن نحبّ الكنيسة محبّة بنويّة، فنحترمها ونطيعها وندافع عن شرفها. كثيرون من الكاثوليك لا يبالون بهذا الواجب المقدّس ولا يلتفتون إليه وهم ملتزمون به دائمًا سيّما في الظروف الحرجة التي تنتاب الكنيسة فتعيقها عن رسالتها المقدسة. إنّ الكنيسة ما زالت عرضة لسهام العدو الجهنّمي الذي لا ينفكّ يحاربها بشتّى الأساليب. فهي إذن دائمًا بحاجة ماسة الى العون الإلهي لتنال الغلبة على أعدائها المنظورين وتقود سفينتها سالمة الى ميناء الخلاص ما بين زوابع الأهواء البشريّة والشيطانيّة. فمن الواجب على أبنائها البررة أن يستعينوا بمار يوسف البتول في هذا الشهر المبارك ويتوسّلوا إليه أن يسهر عليها ويحاميها ويقيها شرّ أعدائها وينيّلها الغلبة على مقاوميها. بواعث عديدة تضطر القديس يوسف البتول الى محاكاة الكنيسة، أليس هو خطّيب مريم والأب المربّي لابن الله المتجسّد؟ أليس هو الوكيل على جميع حاجاتها؟ أما كان محامي العائلة المقدّسة وسندها؟ والحال أنّ الكنيسة هي أيضًا عائلة الله، هي صورة عائلة الناصرة ووارثتها على مرّ الأجيال. فبالعماد يصبح أبناء البشر أبناء الله وورثته، بل إخوة المسيح وشركاء ميراثه، وبهذا التبنّي المملوء رحمة ينتسبون الى عائلة الله، تلك العائلة التي قوامها في الناصرة كان من ثلاثة أعضاء وقت تمّت بحقّها مواعيد الله لإبراهيم فأضحت عديدة كنجوم السماء وهي الآن الجماعة المنتشرة في أربعة أقطار العالم والمعروفة باسم كنيسة يسوع المسيح، وكما كان القديس يوسف البتول محامي العائلة المقدسة وسندها، كذلك يكون مع كنيسة المسيح وارثة عائلته الخاصة في إسمها وسعيها وغايتها وإليه ترفع الكنيسة عينيها وقت ضيقها ومنه تنتظر العون على أعدائها والخلاص من مكايد هيرودس الجهنّمي تلك كانت رسالته على الأرض وقد قام بها أحسن قيام وما زالت كذلك رسالته في السماء حيث ألقابه المجيدة لم تبطل بل صارت أكثر إتساعًا بإتّساع الكنيسة عروس المسيح وأعضاء جسده المقدّس. يا للرّجاء الوطيد! يا للتعزية الكبرى لنا وللكنيسة الكاثوليكية جمعاء! إن كان يوسف البتول معنا فمن علينا؟ وماذا تخشى الكنيسة إذا كان يوسف البتول حصنها المنيع؟ وأيّة نعمة لا تُنال إذا كان هو شفيعها؟ فالذي قد خطف يسوع من مخاليب هيرودس وهو أعزل، ألا يمكنه أن يخلّص الكنيسة من سخط أعدائها الألدّاء وهو كلّي القدرة والذي صبّ بلسم التعزية على قلب يسوع ومريم في أحزانهما وسدّ كل حاجاتهما بينما كان فريسة الأوجاع والفاقة؟ هل لا يمكنه أن يسلّي الكنيسة وقد ملك ملء الأفراح ويسدّ عوزها وهو المؤتمن على كنوز السماء؟ أما هو أبو يسوع المسيح ملك السماء وخطّيب العذراء مريم ملكة المنتخَبين؟ إذًا ليس أقدر منه على قلبيهما ولا حدّ لشفاعته كما لا حدّ لقدرة يسوع ومريم، ويا للثّقة العظمى ويا للحظ السعيد فلنضاعفنّ رجائنا بهذا الشفيع ولنلتجئنّ إليه بصلوات حارّة فرديّة وجمهوريّة، ولنثق تمام الثقة بأنّه كما كان نصير العائلة المقدسة وسندها المكين في الملمّات، هكذا كان وسيبقى دائمًا نصير عائلة يسوع الكبرى، أعني بها الكنيسة في خطوبها، وحصنها الحصين في أخطارها الروحية والجسديّة. فلنرفع قلوبنا وأيدينا الى هذا الشفيع المشفّع، ولنعتقد بأنّنا سنشعر بمفعول شفاعته على حدّ ما نكون قد ندبنا بثقة وطيدة وإيمان حار.

خبر

كتب أحد كهنة مقاطعة فاندي سنة 1871 ما يلي : (إنّ أبانا المكرّم مار يوسف البتول العظيم ما زال محبوبًا ومكرّمًا في خورنتي سيّما منذ أن أعلنه قداسة الحبر الأعظم شفيعًا عامًّا للكنيسة، فإنّ الحوادث المحزنة التي جرت في الحرب السبعينيّة قد ضاعفت العبادة له، فكلّ أهل القرية وضعوا أولادهم المحاربين تحت حمايته، فكم من قداديس على مذبحه، وكم من صلوات صعدت على عرشه، فلم يخيّب هذا الأب الحنون ثقة رعيّتي، لأنّ كلّ الشباب الذين ذهبوا الى ميدان الحرب رجعوا منه سالمين، على حين القرى المجاورة فقدت عددًا كبيرًا من أولادها، فجميع أهل قريتي بلسان واحد قد نسبوا هذه الأعجوبة إلى حماية القديس يوسف البتول، فالمجد والحمد والشكران لهذا الشفيع القدير.)

إكرام

صلّ لانتصار الكنيسة المقدسة وٱطلب من القديس يوسف البتول أن يساعد جميع أحبارها في ضيقاتهم.

صلاة

إنّ قدرتك وجودتك يا مار يوسف البتول تشجّعان وتملأان تعزية، لذلك ألتجئ إليك يا أحنّ الآباء بثقة بنويّة لا مزيد عليها، فاحرسني وصن الكنيسة عائلتك من هجومات أعدائها، إسهر على رئيسها الحبر الاعظم وسائر رعاتها لكي على مثالك وبمعونتك يسوسوا أعضاء كنيسة المسيح، ويقودها الى حياة الابدية، آمين.

 

اليوم الرابع والعشرون

القديس يوسف البتول تعزية النفوس المطهريّة

إذا كان القديس يوسف البتول تعزية الأحياء ومحلّي مرارة الحزانى، فمن بابٍ أولى هو أيضًا مساعد ومعزّي تلك النفوس التي فارقت هذه الحياة وأمست سجينة المطهر. 
نعم، إنّ هذا القديس هو أكبر محامٍ عن النفوس المطهريّة، لأنّ نفسه البارّة يتركها هذا الجسد بين ذراعي مريم ويسوع، لم تذهب توًّا إلى السماء، بل ذهبت إلى حيث كانت نفوس الآباء والأبرار منتظرة الإنعتاق من هذا السجن، بواسطة المخلّص، يوم قيامته المجيدة، إذ حطّم أمخال الجحيم، وكسر شوكة الموت، وأنقذ تلك النفوس من سجنها، وعليه فكيف لا يكون هذا القديس شفوقًا رحيمًا على تلك النفوس التي تنتظر خلاصها، كما كان هو ينتظر و تتنهّد مشتاقة إلى مشاهدة ربّها وباريها، كما كان يتشوّق للحصول على تلك السعادة. 
فما أجدر بالمؤمنين المتعبّدين للقديس يوسف البتول والراغبين في خلاص النفوس المطهريّة أن يقرنوا العبادتين معًا، فعندما يصلّون لأجل راحة النفوس في المطهر، يستنجدون بالقديس يوسف البتول، وإذ يصلّون للقديس المذكور، يتذكّرون النفوس المطهريّة، ولعمري، إنّ هذه العبادة لهي من أشدّ المعزّيات لقلوب الحزانى على فقد أهلهم وذويهم ومعارفهم، وهذا ما يجب على المتعبّدين للقديس يوسف البتول أن يطلبوه منه بحرارة قلب. 
أصيحوا، أيّها المسيحيّون، سمعًا لصوت تلك النفوس المعذّبة في المطهر تسمعوها تنادينا مستغيثة قائلة: ( أباءنا إخوتنا وأخواتنا وأحبّاءنا وكلّ من قطع سيف الموت حبل الوصال بيننا وبينهم، إنّنا نكل إليكم أمر نجاتنا من سجننا هذا، ونرجوا أن تطلبوه لنا ليل نهار بواسطة القديس يوسف البتول).
فيا أيّها القديس المعظّم، نستحلفك، بإبنك الحبيب وبخطّيبتك الطاهرة، أن تقدّم التوسّلات لرحمة الله عن هذه النفوس التي في المطهر، وتسعى إلى إنقادها بشفاعتك لدى يسوع، آمين.

خبر

قد كانت الطوباوية مرغريتا كايتلا من رهبانية القديس عبد الأحد، متعبّدة عبادة خصوصيّة لسرّ ميلاد سيدنا يسوع المسيح في مغارة بيت لحم، وكانت تعتبر بالخصوص القديس يوسف البتول، مقدّرة الخدمات الجزيلة التي قدّمها للعائلة في تلك المغارة، وكانت في كلّ ضيقاتها ومهمّاتها، تستغيث باسم يسوع ومريم و مار يوسف البتول ، وتحرّض الناس في مخاطباتها على الإستغاثة بهذه الأسماء المقدسة، وكانت تصرخ قائلة لهم: (ليتكم تعلمون كم نلت من النعم والمواهب بواسطة إستغاثتي بهذه الأسماء)، الأمر الذي حمل رؤساءها أن يكشفوا قلبها بعد موتها. وشدّ ما كان انذهالهم عندما رأوا في قلبها ثلاثة حجارة ثمينة، على الأوّل، صورة العذراء وعلى رأسها إكليل من ذهب مرصّع بحجارة ثمينة، وعلى الثاني صورة يسوع الطفل بين حيوانين، وعلى الثالث صورة القديس يوسف البتول متّشحًا بوشاح من ذهب، وفوق رأسه رسم حمامة بيضاء، وعند قدميه راهبة راكعه متوسّلة إليه وهي صورة الراهبة مرغريتا، وقد ذاع خبر هذه الأعجوبة في البلدان المجاورة، ولم تزل هذه الذخائر محفوظة في دير الدومينيكان في كاستيلا، لامعة زاهرة كأنّها جديدة، رغم مرور السنين.

إكرام

أتلُ ثلاث مرّات في هذا اليوم : (يا يسوع ومريم ومار يوسف البتول أعينوني)

نافذة

يا مار يوسف البتول، رجاء المتعبّدين لك في الحياة وبعد الممات، تضرّع لأجلنا.

 

اليوم الخامس والعشرون 
في حرارة التعبّد لمار يوسف البتول

لا شكّ أيّها المؤمن، أنّ هذه التأمّلات التي تلوناها على مسمعك، مدّة هذا الشهر المبارك، قد أثّرت فيك وحرّكت عواطفك إلى التعبّد للقديس يوسف البتول بحرارة ونشاط وثبات. لذلك يجب أن نتأمّل خلال هذه الأيّام الباقية من هذا الشهر بكيفيّة عبادتنا لهذا الأب المغبوط.
يجب أن يكون تعبّدنا حارًّا أي أن نبادر سريعًا إلى التمسّك بالتعبّد للقديس يوسف البتول، دون تسويف ولا مماطلة، وعلينا أن نهدم كلّ عائق يصدّنا عن إتمام هذا الواجب مهما كانت التضحيات، وبالإختصار، يجب أن يكون تعبّدنا حارًّا، كما نريد أن يكون ونحن على فراش الموت، فإنّ الحرارة في العبادة هي روحها ومنعشها الداخلي والمحرّك الذي يوصلها إلى نيل الأجر وبدون الحرارة لا تستقيم العبادة بتاتًا، إذ تكون كالبناء دون أساس، أو كالديانة دون إيمان، أو كالجسم دون نفس، ولا تكون والحالة هذه، إلا رياءً وتظاهر. 
فيا أيّتها النفس، التي تبغي أن تحبّ القديس يوسف البتول، كوني متعبّدة له حقيقة بالقلب لا بالشفاه، ألقي اتّكالك عليه في شدائدك، لأنّ الآب الازلي جعله أبًا لابنه الوحيد، ويسوع المخلّص جعله أبًا لجميع المسيحيّين، ومحاميًا عن كنيسته المقدّسة، أحبّي القديس يوسف البتول، أيّتها النفوس، محبّتك لأخصّائك وأصحابك الذين تحبّيهم في هذا العالم، أحبّيه كما تشائين أن يحبّك هو.
أيّها القديس يوسف البتول المعظّم، إنّنا نحبّك هكذا، وسنحبّك في مستقبل حياتنا، فاستمدّ لنا نعمة الثبات في هذه المقاصد الحميدة من الطفل الذي حملته على ذراعيك، واسأله أن يعلّمنا أن نحبّك محبّة إحترام واعتبار كما احبّك هو.

خبر

يُروى عن المكرّمة مرغريتا، من جمعيّة القربان المقدّس، التي كانت مضطرمة بمحبّة يسوع وقد شرّفها بظهوره ولقّبها بعروسته، إنّه كان موضوع تأمّلها الدائم يسوع ومريم ومار يوسف البتول، وبما أنّ مار يوسف البتول هو رأس العائلة المقدسة، كانت تأخذ فضائله قدوةً لها في عبادة يسوع في القربان المقدّس، لتكون أعظم فاعليّة، وكانت عبادتها تنمو وتعظّم قدر نموّها في العمر، وقد أنار الله عقلها، حتى أنّها كانت تجاوب كأعظم لاهوتي على الأسئلة التي تُسأل عنها بخصوص أبوه القديس يوسف البتول ليسوع، وما يتعلّق بها. وقد كتبت إلى إحدى الراهبات قائلةً لها: (جُلّ ما أتمنّاه لكِ أن تكوني قائمةً حقّ القيام بوظيفتك، وأستحلفكِ أن تذكري أنّ حبيب قلبنا يسوع لم يكن في حانوت النجارة في الناصرة رئيسًا، بل مساعدًا للقديس يوسف البتول، وٱنظري إلى أخواتك كما كان ينظر يسوع الى القديس يوسف البتول.

إكرام

أقصد أن تنمو كلّ يوم في التعبّد للقديس يوسف البتول بنشاط وحرارة.

نافذة

يا مار يوسف البتول، مثال المحبّة الحارة، صلّ لأجلنا.

 

الیوم السادس والعشرون

في أنّ تكريم القديس يوسف البتول يجب أن يكون مقرونًا بالشكر

إنّ أقلّ ما يستطیع فقیر بائس أن يُبديه نحو المحسن إلیه ھو أداء الشكر، وذكر النعم وإذاعة الفضل. ومن أنكر ذلك كان سيّء النیّة، فاسد القلب، ناكر الجمیل. وعلیه يجب علیك يا نفسي أن تقرني تكريمك للقديس يوسف البتول، بدلائل الشكر والإمتنان.
أولًا: يجب أن تشكريه شكرًا جزيلًا على ما فعله نحو أمّك مريم العذراء خطّیبته ونحو إبنها يسوع مخلّصك، وٱعلمي أنّ كلّ ما صنعه ھذا القديس المجید نحو يسوع ومريم فقد صنعه لأجلك بصفة كونك مسیحیّة، فالخبز الذي كان يكسبه بعرق جبینه، لیغذّي به تلك العائلة المقدسة، والثیاب التي كان يهتمّ بتقديمها لها، والمجازفة بحیاته مرارًا عديدة، لیُنقذ حیاة المسیح ووالدته من خطر الموت، ونصائحه التي كان يُحلّي بها مرارة المشقّات عنهم، ھذه الأمور جمیعها يجب علیكِ أن تحسبیها كأنّها صُنِعَت لأجلكِ، فیسوع لأجل من وُلد وتربّى وعاش؟ ألیس لأجل خلاصكِ وخلاص العالم أجمع؟
ثانیًا: علیك يا نفسي أن تشكريه لأجل محاماته عن الكنیسة، ومساعدته لرئیسها قداسة البابا الحبر الأعظم، ولأجل الغیرة التي يُضرم سعیرھا في
قلوب المرسلین والمبشّرين، والروح الحيّ الذي يُحییه في قلوب الرھبان النسّاك، روح محبّة الصلاة والطلب من الله لأجل خير كلّ عضو من أعضاء جسد المسیح السرّي، وبالأخصّ لأجل ٱرتداد الخطأة منهم.
ثالثًا: علیكِ أن تشكريه، يا نفسي، لأجل التّعزيات والنّعم التي يُفعم بها قلوب المتعبّدين له والتي قد تكونین ٱختبرتِها بذاتك، إذ كم من الشجاعة أولاكِ
وقت تجاربكِ، وكم من التّعزيات سكب على قلبك وقت أشجانك! وكم خفّف عنك من عناء الأمراض.
تضرّع لأجلنا أيها القديس المعظّم.

فنسألك، إذًا أيّها القديس المغبوط، أن تهبنا نعمة التكريم الحارّ المقرون بروح الشكر، إنّنا نُسدي مزيد شكرنا إلى من أنعم علینا بنعم زمنیّة، فكم بالأحرى يجب علینا ان نشكرك شكرًا جزيلًا لأنّك تمنحنا النعم العلويّة، وتسكب على قلوبنا التعزيات السماويّة، فتقبّل دلیلًا على عرفان جمیلك، صدق تكريمنا ھذا، وصلواتنا الحارة، وكلّ حركات قلوبنا وتنفّسات صدورنا، وأمدِدنا بمعونتك، لنسیر في ھذا العالم المشحون بالتجارب، والحافل بالأخطار، سیرًا ثابتًا يؤھّلنا إلى الحظوة بالسعادة الأبديّة حیث أنت تقیم.

خبر
إنّه لأمر مشهور تكريم القديسة تريزيا الكبیرة للقديس يوسف البتول، حیث أنّها كانت تقول: (لا أذكر أبدًا أنّي طلبت شیئًا من القديس يوسف البتول إلّا ونلته)، وكانت ھذه القديسة تجتهد في إذاعة تكريمه عن والديها الفاضلین، وٱختبرت قوّة شفاعته منذ نعومة أظافرھا، فإنّها وھي بعد في بیت أبیها، كما تذكر ترجمة حیاتها، مرضت مرضًا ثقیلًا كانت تقاسي منه أوجاعًا شديدة، مدّة ثلاث سنوات، وقد ذھبت حیل الأطباء سدًى، ولم تكن الأدوية تفیدھا شیئًا، فبإلهام إلهي إلتجأت أخیرًا إلى القديس يوسف البتول، فشُفیت بأعجوبة باھرة مكافأة لها على محبّتها الحارّة له، وبقیت حیاتها كلّها تشكر لهذا القديس عنايته بها.

إكرام

أتلُ الصلاة بدؤھا (أذكر أيها القديس) ثلاث مرات في يومك.

نافذة

يا مار يوسف البتول، رجاء المتّكلین علیك، تضرّع لأجلنا.

 

اليوم السابع والعشرون

في أنّ التعبّد للقديس يوسف البتول يجب أن يكون بالفعل لا بالقول فقط

إنّ المحبّة التي لا يُبرهَن عنها بالفعل، بل تقتصر على الكلام، لا تكون محبّة حقيقية، لأن العمل على حدّ قول أوغسطينوس هو برهان المحبّة، والمحبّ الحقيقي يتحمّل المشاق، ويضحّي بكلّ نفيس في سبيل محبوبه، ويلتذّ لذّة عظيمة لما يقاسيه من ضروب العناء إرضاء لمن يحبّ، وهو لا يظلّ أبدًا على الحياد عندما يعاين صديقه متضايقًا، يحتاج إلى إسعافه لأنّ هذا ما تتطلّبه شريعة المحبّة الحقيقيَّة. 
وعليه فإذا كانت العبادة محبّة، وهكذا يجب أن تكون، فعليكِ أيّتها الأنفس المسيحيّة المتعبّدة للقدّيس يوسف البتول أن تحبّيه محبّة حقيقيّة، لأن عبادتك له لا تقوم بتقديم بعض الصلوات، وتزبين مذابحه، ووضع أزهار أمام أيقونته، أجل إنّ هذه الأمور صالحة، مقدّسة، مأمور بها، بيد أنّ العبادة الحقيقيّة لا تقوم فقط بها، بل تقوم جوهريًّا بالمحبّة والإقتداء بفضائل من نحبّ.
فتأمّلي إذًا ليل نهار بسيرة هذا القدّيس العظيم، أيّتها النفوس، ليمكنك أن تطبعي على لوح قلبك صورة حياته، وتصيري شبيهة به كل الشبه، أدرسي فضائله العديدة واحدة فواحدة، وطابقيها على حالتك ودعوتك، واجعليها قاعدة لسير حياتك، واتّخذي هذا القديس لك قائدًا وسط ديجور هذا العالم الفاسد، لئلّا تعثري وتزلّ بك القدم، واعلمي أنّ الإبن بقدر ما يشبه أباه يكون محبوبًا، عزيزًا لديه، مفضّلًا على سائر إخوته، لأنّه يعلم أنّ ابنه هذا دم من دمه ولحم من لحمه، وهكذا، يُسرّ هذا القديس ويفرح بكِ، يا نفسي، عندما يجد فيك بعض الشبه به، ويضطرّ إلى الإقرار بأنّك ٱبنة له وأخت لإبنه يسوع. 
فيا يوسف البتول البار، إنّي أعدك بالتعبّد لك من الآن فصاعدًا، بالفعل لا بالقول فقط، وأن أبذل ما بوسعي لأقتفي آثارك، فٱستمدّ لي إذًا من الإله نعمة الثبات في مقصدي هذا، وقوّني على وضع ذلك بالعمل.

خبر

يُروى عن الأب كوتون من الرهبنة اليسوعيّة المشهور بفصاحته وبلاغة خطاباته وسموّ فضائله، أنّه قد ٱشتهر أيضًا بمدح القدّيس يوسف البتول خصوصًا، فقد كان في كلّ خطاباته يغتنم الفرصة ليعرض بمدح هذا القديس، مطنبًا في سموّ مقامه وفاعليّة مقدرته لدى الله، وبجدّه وٱجتهاده. تشيّدت لأوّل مرّة كنيسة في فرنسا على إسم القدّيس يوسف البتول وتخصّصت لمبتدئي الرهبنة اليسوعيّة في مدينة ليون، لم يكن يفتر قط على أن يُظهر محبّة الله وعبادته لهذا القدّيس مربّي يسوع في أحاديثه وفي عظاته، فٱستحقّ لذلك نعمًا عديدة، خصوصًا هذه النعمة غير الاعتياديّة، وهي أنّه أوحي إليه أنّه سيموت يوم عيد القدّيس يوسف البتول، وظهرت له سيّدتنا مريم العذراء عند ساعة موته، وقالت له: (إنّني آتية لأحضر ساعة موتك مكافأة لك على عبادتك ومحبّتك لخطّيبي)، وهي لعمر الحق أكبر مكافأة ٱستحقّها هذا الأب الفاضل جزاء محبّته للقديس يوسف البتول.

إكرام

إجتهد في إذاعة التعبّد للقدّيس يوسف البتول في كلّ فرصة سانحة.

نافذة

أهّلنا لمديحك، أيّها القدّيس يوسف البتول، خطّيب مريم البتول.

 

اليوم الثامن والعشرون

في أنّ التعبّد للقدّيس يوسف البتول يجب أن يكون مقرونًا بالغيرة

لا ريب أنّ التعبّد للقدّيس يوسف البتول هو بمثابة سلاح بيد العابد الحقيقي، يجعله شجاعًا قويًّا في الجهاد، وهذا ما تقصده الغيرة التي يليق بأصدقاء القدّيس يوسف البتول أن يكونوا متّصفين بها.
وتكون الغيرة على نوعين:
النوع الأول: أن يسعى العابد جهده في بثّ محبّة القدّيس يوسف البتول في قلوب إخوانه وأصدقائه. 
والثاني: أن يبذل جهده ليل نهار ليجعل هذه العبادة دواءً ناجعًا لإصلاح ما فسد من العبادات، وإرجاع الخطأة الى التوبة، وحفظ الأبرار في برارتهم، وعلى الأخصّ لنيل الميتة الصالحة، وقبول المنازعين الأسرار المقدسة. 
ويساعد على هذه الأعمال التقويّة إقامة مذبح خاص للقدّيس يوسف البتول في الكنيسة المحليّة، وتأسيس أخويّة تحت حمايته، وإقامة التساعيّات علانيّة، خصوصًا في شهر آذار الذي كرّسته الكنيسة لعبادة هذا القدّيس العظيم، وتوزيع أيقوناته على العيال وحضّها على أن تزيّن بها صدور مجالسها، وحين يزول الخطر، سواء كان بالنفس او بالجسد على المرء أن يُسرع إلى الإلتجاء إلى القدّيس يوسف البتول ويطلب الغوث منه بواسطة النذور أم بالوعد بالإنضمام إلى أخويّته، وإصلاح السيرة القديمة بواسطة سرّ الإعتراف والندم على الماضي، وقد حقّقت الخبرة أنّ كثيرين من كهنة الرعايا لم يستطيعوا أن يصلّحوا أبناء رعاياهم، ويُضرموا حرارة الإيمان في قلوبهم، ويحملوهم على ٱستعمال الأسرار المقدّسة، وبٱلإختصار لم يتسنّ لهم تجديد وجه خورنيّاتهم إلّا بواسطة ٱلتعبّد للقدّيس يوسف البتول. ولا يُفهم من قولنا هذا أن إذاعة هذه ٱلعبادة التي هي مجلية للنعم والمواهب بين الناس، مختصّة فقط بالكهنة ذوي الغيرة، بل على كلّ رجل أو إمرأة أن يُذيع هذه العبادة بشرط أن يكون عنده قليل من هذه الغيرة والمحبّة نحو القدّيس يوسف البتول. 
فيا أيّها القدّيس يوسف البتول المعظّم، إنّنا نريد من كلّ قلوبنا، أن تكون هذه مساعينا وهذه مقاصدنا الوثيقة التي ٱتّخذناها على عواتقنا، خلال شهرك المبارك، فٱستمدّ لنا النعمة لنتمّمها بكلّ دقّة ونشاط.

خبر

لقد أنعم الله على الراهبة كتلينا، من رهبنة مار أُغسطينوس، بنعمٍ وافرة، فقد رأت رؤيا تجلّى لها فيها يسوع داخلًا إلى السماء على المنوال التالي: ٱختُطِفَتْ بالروح يوم عيد الصعود ورأت موكبًا مهيبًا يرافق ملك المجد، وفي مقدّمة الجميع القدّيس يوسف البتول، وبعد جلوس يسوع على يمين أبيه السماوي، وجّه القديس يوسف البتول خطابًا إلى الآب الأزلي قائلًا: (أيّها الآب الأزلي، هناك الوزنة التي ٱئتمنتني عليها في الأرض، إنّي أُرجعها إليك مع أرباحها، أعني هذه النفوس العديدة المُخلَّصة بواسطتها)، فأجابه الآب الأزلي: (أيّها العبد الأمين الصالح، كما كنتَ مدبّر بيتي على الأرض، أريد أن تكون في السماء لا خادمًا بسيطًا، بل سيّدًا، فيلذّ لي أن أعطيك سلطانًا عظيمًا). عندئذٍ طلبَت كتلينا التي أخذت إسم (يوسفيّة)، إلى القدّيس يوسف البتول أن ينال لها هذه النعمة، وهي: أن لا تخسر محبّته وحرارة العبادة له، فٱستجاب طلبها على شرط أن تواظب دائمًا على تتميم إرادة الله.

إكرام

إجتهد أن تكتسب ٱلنفوس إلى الخلاص بواسطة التعبّد للقدّيس يوسف البتول.

نافذة

يا مار يوسف البتول الغيّور على خلاص الأنفس، تضرّع لأجلنا.

 

الیوم التاسع والعشرون

في مواصلة تكريم القديس يوسف البتول

لقد خصصت الكنیسة أياماً معلومة من السنة لكثیر من الصلوات، وفرضت على المسیحیین أن يباشروھا في الأيام المعینة لها، أما صلوات القديسيوسف البتول ومريم العذراء والقربان المقدس، فعلى المسیحیین أن يباشروھا دائماً، أجل إن الكنیسة خصصت شهر اذار لتكريم القديس يوسف البتول، بید أنه لايلیق أن تقف صلوات المؤمنین عند ھذا الحد، بل علیهم أن يذكروه في كل أعیاد السیدة والأعیاد السیدية كالمیلاد والختان وغیرھما، لأن للقديس يوسف البتولفي كل من ھذه الأعیاد ذكراً حمیداً يدعونا إلى محبته، ويجذب قلوبنا إلى إستشفاعه، ولما كانت الأعیاد متواصلة، لذا يجب أن تكون صلاتنا متواصلةأيضاً، غیر مكتفین بشهر آذار أو بالاحتفال بیوم عیده، بل يحسن ذكره كل يوم أربعاء من السنة حسبما رسمت الكنیسة المقدسة مؤخراً وأمرت أن يذكرذكراً خاصاً في قداس ذلك الیوم.
ترى ھل من برھان أقوى بعدما ذكرنا على أن الكنیسة المقدسة الملهمة من الروح القدس تريد أن نكون متشفعين لهذا الشفیع المقتدر؟ فإنها قد
إختبرت فعلیاً حسن حمايته.
فیا أيها القديس يوسف البتول المعظم، لقد قارب شهر آذار على الانتهاء فسنودعه، آملین ان نحتفل به في العام القادم، إن شاء الله وبقینا في قید الحیاة،ولكننا لن نودعك أنت لأنك ستكون أبداً حارساً على قلوبنا وسیداً على منازلنا، مع خطیبتك العذراء وإبنك الإلهي يسوع، وھكذا لیظل الإتحاد دائماً بینعائلتك المقدسة وعیالنا: فاشفع فینا، أيها الشفیع الحنون، ولا تسمح بأن تبرد فینا حرارة محبتنا لك! نسألك ذلك بمحبتك لمريم ويسوع.

خبر

يروى أن القديسة تريزيا رأت يوم عید إنتقال السیدة رؤيا، وھي أن أناساً كانوا يلبسونها حلة بیضاء، ولم تعلم من ھم، لكنها بعد ھنیهة عرفت بسرور
لا يوصف ان العذراء والقديس يوسف البتول ھما اللذان وشحاھا بالثوب، مشیرين ببیاض الثوب الى أنها قد تنقت من كل خطیئة، وشعرت بأن العذراء تشیر
إلیها بأن ھذا الثوب ھو جزاء تعبدھا للقديس يوسف البتول، وقالت لها أن كل ما ترينه ضرورياً من لوازم الدير اطلبیه فتنالیه، وعربوناً لذلك علقت معالقديّس يوسف البتول في عنقها عقداً من حجارة كريمة، وتواريا صحبة جوقة الملائكة إلى السماء.

اكرام

كرس نفسك إلى القديس يوسف البتول حیاتك كلها.

نافذة

يا مار يوسف البتول، شفیع الثبات في البر، تضرّع لأجلنا

 

الیوم الثلاثون

في أن التعبد للقديس يوسف البتول يجب أن يكون مقروناً بحسن الثقة

أيتها النفس المسیحیة، إنك لا تكونین حقاً محبة للقديس يوسف البتول ما لم تظهري كمال رجائك وشدة ثقتك به، شأن الإبن المحب نحو أبیه، فأقبلي إذاً نحوھذا القديس المغبوط في كل ساعة من حیاتك، ولا سیما ساعة الموت، وكوني وطیدة الرجاء كبیرة الأمل بأنه يستمع الیك ويهبك مطلوبك، ولنفرضإنك لم تحصلي على مطلوبك الزمني، فلا تحزني ولا تقنطي، بل ثقي بأن ذلك لخیرك الروحي، لأن الإبن قد يطلب أحیاناً عن جهل أشیاء تضر بمصلحتهام بصحته، فیمنعها عنه حرصاً على خیره، ويكون ھذا المنع أكبر برھان على محبته له وزيادة إعتنائه به.
أيتها النفس المسیحیة، كما يطرح الولد الصغیر ذاته بین ذراعي أبیه مسلماً إلیه قیادته، لیذھب به إلى حیث شاء واضعاً إتكاله على عنايته، واثقاًبمحبته، ويرقد مطمئن البال، عالماً ان أباه يسهر على راحته ورفاھیته، ھكذا إطرحي أنت أيضاً نفسك بین ذراعي القديس يوسف البتول، أبیك الروحي،وكوني واثقة به متكلة على قدرته، واعلمي أنه إذا كان للأولاد ثقة تامة بآباء الأجساد، فمن باب أولى يجب أن يكون لك ثقة أتم بالأب الروحي،وأظهري له إنعطافك ومحبتك وتسلیمك إلیه زمام أمورك في أرض الشقاء.
ترى لماذا لا نسلم إلى القديس يوسف البتول زمام قیادتنا؟ فإن كنا نشك بمقدرته، فهو أقدر الجمیع لدى يسوع بعد سیدتنا مريم العذراء وأقرب الجمیع منالعرش، ھل نرتاب بمحبته وحنانه؟ إنه يحبنا حباً عظیماً وله أعطیت حماية الكنیسة وأبناءھا دون سواه، وقد أكدت القديسة تريزيا أنها لم تطلب شیئاًبشفاعة القدّيس يوسف البتول إلا نالته، ھذه ھي إذن وظیفة القديس يوسف البتول، وبهذه الثقة يجب أن يكون تعبدنا له.

أيها القديس المعظم، لم نسمع ابداً ان احداً التجاء الیك وعاد خائباً، فلذا نسألك أن ترسخ في قلبنا روح الثقة التامة بك، واستجبنا أيها الشفیع القديرحینما ندعوك ولا سیما ساعة موتنا.

خبر

إن الأب أنطون نتالي، من الرھبنة الیسوعیة كان ذا حرارة زائدة في محبة الخلوة الروحیة، وحكم بأن الحصول على ھذه الموھبة يقتضي محبة وتكريم
لمربي يسوع، لذلك وجه كل مواھبه الطبیعیة في مواعظه إلى تحريض الشعب على التكريم له، وعزم على نشر فضائله، لكن لسوء الحظ عاجله الحظ
قبل إنجاز ھذا القصد.
وفي رسالاته في بلاد صقیلة كان يحمل الجمیع على تكريم القديس يوسف البتول. وقد ألف صلاة للقديس يوسف البتول يتلوھا مثل مسبحة، وشد ما كان أسفهعندما اضاعها، وبعد ان بذل المجهود في أن يجدھا، رجع إلى استشفاع شفیعه العظیم، ففي أحد الايام عندما كان يشكر بعد القداس تقدم إلیه ولدصغیر ھیئته ھیئة ملاك وقدم له المسبحة المفقودة، وغاب عنه، فقد يكون ھذا الطفل ھو يسوع بالذات قدم له تلك المسبحة جزاء تكريمه لأبیه يوسف البتول،من يعلم!

اكرام

أتل المسبحة إكراماً للقديس يوسف البتول شكراً على النعم التي نلتها بشفاعته.

نافذة
يا مار يوسف البتول، خازن النعم تضرع لاجلنا

 

الیوم الحادي والثلاثون

في أن تكريم القديس يوسف البتول يلزم أن يرافقنا مدى الحیاة

إن تكريمنا للقديس يوسف البتول يلزم أن لا يفارقنا حتى آخر نفس من حیاتنا، ويجب أن تكون محبته طابعة تدل على صدق إختصاصنا به، ختاماً لهذا الشهر المبارك، وكما
أن أھل العالم لا يحفلون كثیراً بالمحبة الوقتیة، السطحیة، التي تتطلبها ظروف الأحوال بل التي تكون وثیقة العرى، لا يتغلب علیها كرور الأيام ولا تقلبات
الأحوال ولا بُعد المكان وإبتعاد الأصدقاء، ھكذا يجب أن تكون المحبة الروحیة دائمة، بالنسبة إلى الحیاة الخالدة، فیجب علینا والحالة ھذه، ألا نكتفي بالصلاة
أسبوع أو شهر أو سنة، بل يجب أن نواظب على الصلاة طوال الحیاة كلها، لنظل أصدقاء مدى الأبدية .
إن الصلاة للقديس يوسف البتول يناسب جمیع أطوار الحیاة، فمن الصبوة، ألطف أيام العمر وأشدھا عرضة للأخطار، لیس لها معین إلا ھذا الشیخ الجلیل الذي عرفبمیله إلى الأحداث، بما بذله من العناية بالطفل وسعیه المتواصل إلى تقديم اللوازم الضرورية له، وإبعاده الخطر عن حیاته الثمینة.
وسن الرجولیة تتطلب حماية ھذا القديس، لیعرف البشر جمیعاً كیف يعیشون مع نسائهم بالمحبة والإكرام والإخلاص ، كما عاش القديس يوسف البتول مع خطیبته مريمالعذراء ولیتعلموا كیف يربون أولادھم الذين يهبهم إياھم الله ويكل إلیهم أمر الإعتناء بهم جسدياً وروحیّاً، كما وكل تعالى إلى القديس يوسف البتول أمر الإعتناء بیسوعإبنه.
وعندما نبلغ سن الشیب نكون بحاله تضطرنا إلى شفاعة ھذا الشیخ المغبوط، لیكون مساعداً لنا فنتحمل وطأة الأيام وعبء الشیخوخة، ولا شك أن تذكرنا به
ينعش أفئدتنا، ويخفف أحزان ھرمنا، ويجعلنا نتحمل بصبر كل الطوارئ كي نحصل أخیراً على الجزاء المعد لنا اي المیتة الصالحة، عربون السعادة الخالدة.

فیا أيها القديس يوسف البتول المعظم، يا من أتخذتك لي أباً ومحامیاً ومثالاً، يا من جعلتك موضوع رجائي وإتكالي إلى جمیع أطوار حیاتي، أرجوك ان تمد لي يدالمعونة في كل طور منها، وھبني النعمة اللازمة كما ترى ذلك مناسبا لخلاص نفسي، ھذا ما أطلبه منك في نهاية الشهر الذي خصصته لخدمتك، إمتثالاً لأمرأمي الكنیسة المقدسة، من الله العلي بواسطة عظم اقتدارك لديه ولتكن حیاتي مكرسة أبداً لخدمتك لأنال بعد ذلك الحظ السعید، وھو أن أسلم روحي بین يديك
وأيدي يسوع ومريم، وأحظى بالسعادة الأبدية، آمین.

خبر

إن المكرمة حنة الراھبة الكرملیة كانت أشبه بالقديسة تريزيا في تكريمها للقديس يوسف البتول، فلما كانت في نزاعها الأخیر، والراھبات إخواتها يحدقن بسريرھا، رأينموكباً سماوياً حضر لیصحب نفسها البارة إلى السماء، وكان في ھذا الموكب المجید القديس يوسف البتول والقديسة تريزيا، أما ھي فلما شاھدت ھذا المشهد،
أشارت نحو الحاضرين أن يتهیبوا حضور الموكب، وھكذا لفظت أنفاسها في علامات الفرح والسلام، وقد كانت إحدى الراھبات في دير آخر بعید عن ذلك الدير،
تتوسل إلى الله لیطیل حیاة الراھبة، فرأت نفسها صاعدة إلى السماء ما بین القديس يوسف البتول والقديسة تريزيا.

اكرام

واظب على تكريم القديس يوسف البتول بأمانة إلى النفس الأخیر.

نافذة

يا مار يوسف البتول، شفیع المیتة الصالحة، تضرّع لأجلنا

 

صفحات ذات صلة:

تساعيّة القدّيس يوسف البتول في الضيقات

تساعيّة القديس يوسف البتول

مسبحة القديس يوسف البتول

طلبة القدّيس يوسف البتول

زياح القديس يوسف البتول

دعاء الى القديس يوسف البتول يُتلى كل أربعاء